
ضربة قلم
الوجه القاسي للعلاقات الزوجية
الزواج رباط مقدس، لكنه في أحيان كثيرة يتحول إلى عقد هش تحكمه المصالح أكثر مما تحكمه العواطف. عندما يتغير الوضع المادي أو الصحي لأحد الزوجين، يجد الآخر في بعض الحالات نفسه أمام خيار قاسٍ: البقاء أو الرحيل. ومع أن قصص الوفاء والتضحية كثيرة، إلا أن الواقع يسجل حالات تتخلى فيها المرأة عن زوجها إذا فقد مصدر رزقه، أو حين يهجر الرجل زوجته عندما تذبل صحتها أو يتطلع إلى أخرى أكثر شبابًا وجمالًا.
قصة الرجل الذي فقد كل شيء
لنأخذ مثالاً من واقع الحياة. كان هذا الرجل يعمل في إدارة استغلال الموانئ بميناء الصيد في الدار البيضاء، في وظيفة متواضعة. لكنه كان يعوض دخله المحدود ببيع السمك في المزاد العلني، مراكماً أموالًا لا حدود لها بفضل علاواته اليومية. لكنه كان أيضًا مدمناً على شرب الخمر، يقضي أيامه بين الحانات والبيت في دائرة مفرغة، دون أن يدرك أن كل شيء قد يتغير في لحظة.
لم تكن زوجته تعاتبه على حياته العابثة، بل كانت لها إستراتيجية مختلفة تمامًا: كانت تنتظره كل ليلة لتفتش جيوبه وتجمع الأموال، وهو لا يبالي بشيء. وفي يومٍ مشؤوم، جاءه خبر لم يكن في الحسبان؛ المؤسسة التي اشتغل فيها لسنوات انقسمت إلى شركتين، ووجد نفسه فجأة خارج دائرة العمل والمداخيل التي كان يغرق فيها. لم تمضِ أيام حتى تخلت عنه زوجته، بعدما أدركت أن مصدر الدخل قد نضب، وحملت معها أطفالهما، ثم رفعت ضده دعوى نفقة زادت من معاناته. هكذا انتهى به الأمر مستأجراً غرفة فوق سطح إحدى العمارات، بعيداً عن حياة البذخ التي كان يعيشها، وغاب عن الأنظار.
المرأة التي ترحل عندما يختفي المال
مثل هذه القصة تتكرر كثيرًا، فالمال عنصر حاسم في العلاقات الزوجية. هناك نساء يضحين ويصبرن مع أزواجهن في أحلك الظروف، لكن أخريات يتعاملن مع الزواج كاستثمار يجب أن يدر عائدًا مستمرًا. حين يصاب الزوج بمرض أو يفقد وظيفته، تتغير نظرة بعض النساء إليه، وقد يصبح فجأة عبئًا غير مرغوب فيه. عندها، تبدأ الضغوط والمشاكل، وتنتهي الحكاية بالطلاق أو الهجر.
الرجل الذي يبدل زوجته حين يتحسن وضعه
لكن القصة ليست مقتصرة على النساء فقط، فهناك رجال أيضًا يتخلون عن زوجاتهم عندما يتحسن وضعهم المالي أو الاجتماعي. كم من رجل عاش مع زوجته سنوات من الكفاح، وعندما حقق النجاح، قرر أن يبحث عن شريكة “تناسب” مستواه الجديد؟ يحدث هذا كثيرًا في الأوساط التي يصعد فيها الأشخاص من طبقة متواضعة إلى طبقة الأغنياء، حيث يصبح الرجل فجأة غير راضٍ عن زوجته التي شاركته رحلة الفقر والتعب، ويريد استبدالها بأخرى أكثر “أناقة” أو “ملاءمة” لمحيطه الجديد، باستثناء بعض الحالات التي تكثر فيها المشاكل المستعصية، يراعي فيها الزوج عمر أطفاله، فيصبر حتى يكبروا، ثم يبدأ في البحث عن امرأة أخرى يراها أكثر توافقًا مع حياته الجديدة.
حين تخون الصحة الزوجة فتصبح غير مرغوبة
الأسوأ من كل ذلك هو حين يهجر الرجل زوجته بسبب المرض. فالمرأة التي كانت شريكة عمره، والتي ربما أنجبت له أبناءً وضحت معه، قد تصبح فجأة غير جذابة أو غير قادرة على القيام بدورها كزوجة. فيقرر الرحيل أو البحث عن أخرى أكثر صحة ونشاطًا. هذه الخيانة القاسية للصحة والجسد تحدث كثيرًا، رغم أنها تكشف عن معدن الرجال الحقيقي عند الشدائد.
الزواج: عقد عاطفي أم استثمار؟
في النهاية، يظل السؤال المطروح: هل الزواج عقد قائم على المشاعر، أم هو استثمار يقوم على الربح والخسارة؟ الواقع أن هناك نماذج من الوفاء والتضحية لا تُحصى، لكن في المقابل، نجد من يحسب الزواج بلغة الأرقام، فإذا نقصت الأرباح، انتهت العلاقة.
التخلي عن الشريك بسبب تغير الظروف المالية أو الصحية ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو انعكاس لقيم المجتمع. فحين يصبح الاستقرار المادي هو المعيار الأول في العلاقة الزوجية، فإن ذلك يعني أن الزواج نفسه فقد قدسيته وأصبح مجرد صفقة تجارية قابلة للفسخ عند أول أزمة.
ويبقى السؤال الأهم: في عالم تحكمه المادة والمظاهر، هل يمكن للحب أن يصمد أمام امتحانات الحياة؟