مجتمع

حين تصرخ الجامعات: فلسطين أمانة… والتطبيع خيانة

ضربة قلم

في زمن صار فيه الخذلان وجهة نظر، والسكوت عن الجرائم شطارة دبلوماسية، تخرج من رحم الحرم الجامعي المغربي صرخة حرة، لتوقظ الضمائر، وتنتزع الأصوات من أعماق الصمت. منظمة التجديد الطلابي، بصيغة البلاغ ومضمون الالتزام، تعلنها مدوية: يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025، يوم للإضراب الوطني الجامعي… لا للدراسة، نعم للكرامة، لا للتطبيع، نعم للحق في مقاومة العار.

استهلال الغضب: بلاغ ليس ككل البلاغات

لم يأتِ بلاغ منظمة التجديد الطلابي مجرد بيان روتيني؛ بل هو مرآة لوجدان طلابي يرى في نفسه امتدادًا لنضالات الطلبة المغاربة منذ عقود، حين كانت صور الشهداء تعلق على الجدران، والندوات تُختم بالهتاف لفلسطين والقدس.

البلاغ هذه المرة ليس فقط تنديدًا بما يجري في غزة من حرب إبادة جماعية تقودها آلة القتل الصهيونية، بل هو أيضًا تمرين في الشجاعة، حين يسمي الأشياء بمسمياتها، ويرفض الخضوع لخطابات التجميل السياسي الرسمي، تلك التي “تتفنن” في تبرير التطبيع وتحويل الخيانة إلى مصالح وطنية.

الحركة الطلابية المغربية: جذور لا تنسى

منظمة التجديد الطلابي، بارتباطها التاريخي بالحركة الإسلامية وبعمقها النقابي والمعرفي، لا تخرج عن السرب حين تعلن إضرابها. بل تعود بالأذهان إلى زمن كانت فيه الجامعة المغربية محجا للأفكار الحرة، ومنصة للموقف المبدئي. في هذا السياق، يصبح الإضراب وسيلة للتربية على معنى الانخراط، والمقاومة، والاصطفاف في معركة ليست عسكرية فقط، بل أخلاقية بالدرجة الأولى.

 النداء القادم من غزة: “انصرونا ولو بكلمة”

البلاغ يتفاعل مع نداء النفير العام الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية حماس. نداء لم يحمل السلاح، بل طلب من الأمة أن تقول “لا”، وأن ترفع الصوت، وأن ترفض “الصفقات” التي تبيع الدم الفلسطيني على موائد التطبيع.

هنا تتجلى قوة المبادرة الطلابية، حين تربط الجامعات المغربية بنداءات المقاومة في غزة، لتصبح قاعات المحاضرات خنادق معنوية، وساحات الكليات مظلات لمواقف مشرفة. بهذا المعنى، يتحول الإضراب من غياب عن الدراسة إلى حضور كامل في ساحة التاريخ.

 التطبيع: من تجميل الخيانة إلى تسويق الكارثة

لا تخجل المنظمة من العبارة: “التطبيع خيانة”. عبارة لم تعد دارجة في القاموس الرسمي، لكنها حية في الوجدان الشعبي. من هنا فإن البلاغ يقدّم قراءة سياسية ضمنية لما يحدث: التطبيع ليس مجرد تبادل للسفارات والتجارات، بل انسلاخ من القيم والمبادئ التي تربت عليها أجيال من المغاربة، ممن كانوا يرون في فلسطين مرآة لأخلاق الأمة، لا مجرد ملف خارجي.

 دعوة للمشاركة: الجامعة ليست حيادًا

بلاغ الإضراب لا يوجه فقط نداءً للطلبة، بل أيضًا للأساتذة، ولمختلف مكونات “الجسم الجامعي”. إنه خطاب وحدوي، يجمع بين العلم والكرامة، بين الأستاذ والطالب، وبين الفكر والموقف.

الإضراب هنا ليس تعطيلاً للمعرفة، بل تنبيهًا بأن العلم بلا ضمير مجرد خيانة مؤجلة. وأن الجامعة التي تدرس القانون الدولي، وتغض الطرف عن جرائم الحرب في غزة، ليست جديرة بأن تحمل اسمها.

 من البلاغ إلى الفعل: ماذا بعد 8 أبريل؟

السؤال الآن ليس فقط عن جدوى الإضراب، بل عما بعده. هل سيبقى هذا الحدث معزولا في الزمن؟ أم يكون مدخلا لحملة وطنية طلابية أوسع؟ هل تستفيق بقية التيارات الطلابية وتنضم؟ هل تتحرك النقابات التعليمية؟ هل يمتد الإضراب إلى قطاعات أخرى؟ هل نعيد تعريف “النضال الجامعي” بعد أن سقطت أقنعة الواقعية السياسية؟

 الختام: شرف الوقوف

في زمن الجبن الجماعي، يكفي أن تقول “لا” حتى تصبح من الشرفاء. وبلاغ منظمة التجديد الطلابي هو “لا” مكتوبة بلغة الطلاب، بمداد الالتزام، وبتوقيع التاريخ. هو دعوة لحمل الأمانة، وعدم التفريط فيها، مهما علت أصوات التطبيع والتمييع والتضبيع.

فلسطين أمانة… والتطبيع خيانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.