حين تقول نائبة رئيس جماعة أكادير للمخالفين “يخوي أكادير”… واعتذار متأخر لا يمحو أثر الإقصاء!

ضربة قلم
تصريح زهرة المنشودي، الذي يحمل في طياته عبارات من قبيل “اللي معجبوش الحال، يخوي أكادير”، يتجاوز حدود زلة لسان عابرة أو رد فعل عاطفي في لحظة توتر داخل قاعة مجلس جماعي. إنه خطاب يختصر الكثير من الإشكالات المتجذرة في العلاقة بين السلطة المنتخبة والمواطن، ويكشف عن نزعة إقصائية مقلقة، حين تتحول السلطة من تمثيل الإرادة العامة إلى نوع من التملك الرمزي للفضاء العمومي، كأن المدينة أصبحت ضيعة تُدار بمنطق الولاء لا بمنطق المواطنة.
في عمق هذا الكلام، هناك خيانة لمبدأ جوهري في العمل السياسي والديمقراطي: الحق في الاختلاف. لا أحد مُلزم بأن يصفق للمجالس المنتخبة أو لقراراتها، والانتقاد ليس خروجًا عن الإجماع أو خيانة، بل هو إحدى آليات التقييم والتقويم. وعندما يتحول الرد على هذا الانتقاد إلى دعوة صريحة بالمغادرة، بل إلى استعداد لجمع المال من أجل ترحيل المخالفين، فإننا نكون أمام تصورات سلطوية تتغلف بثوب الشرعية الانتخابية، لكنها تمارس في الجوهر نزعة إقصائية خطيرة.
الاعتذار الذي قدمته المنشودي لاحقًا، وإن كان ضروريًا، لا يمحو الأثر الرمزي لما قيل. الاعتذار في السياسة ليس فقط تراجعًا عن كلام، بل هو أيضًا اختبار للصدق السياسي وللقيم التي يفترض أن يحملها المنتخبون، خاصة حين يكونون في موقع المسؤولية عن تدبير شؤون مدينة كبيرة بحجم أكادير، بما تحمله من تنوع سكاني وثقافي وتاريخي.
المثير في الأمر أيضًا، هو الصمت المريب أو التبريري من قبل بعض الأصوات التي كان يُفترض أن تكون في الصف الأول للدفاع عن حرية التعبير وحق المواطنين في الانتقاد. فحين يصدر كلام جارح من طرف مسؤولة تنتمي إلى حزب يقوده رئيس الحكومة نفسه، فإن التردد في الإدانة أو محاولة تبرير الأمر لا يخدم سوى تعميق الهوة بين النخبة السياسية والمواطنين، كما يُكرس شعورًا عامًّا بأن هناك “مواطنين من درجة أولى” وآخرين لا يُسمح لهم حتى بالتعبير عن آرائهم دون أن يُطلب منهم الرحيل.
ثم إن في خلفية هذا الجدل يتوارى سؤال أكبر: لماذا يتخذ البعض من مواقع السلطة موقفًا عدائيًا تجاه كل نقد؟ أليس من المفترض أن تكون المجالس المنتخبة مرآة للمجتمع بكل أصواته واختلافاته؟ وهل بهذه الطريقة يُبنى التعاقد الديمقراطي بين المواطن ومؤسساته؟
ما قالته المنشودي، ولو أنها حاولت التراجع عنه، قد فضح ما يختلج في صدور كثير من المسؤولين الذين لا يقبلون إلا التصفيق، ويرون في أي صوت معارض تهديدًا لمصالحهم أو لتوازنات سياسية ضيقة. هذه العقلية لا تنتمي لمستقبل ديمقراطي حداثي، بل تعيدنا خطوات إلى الوراء، حيث تُدار المدن والجهات بمنطق الشيخ والمريد، لا بمنطق المساءلة والمحاسبة.
أكادير ليست ملكًا لأحد، ولا فضل لمن يُدبر شؤونها سوى بقدر خدمته للصالح العام. ومن يطلب من الناس المغادرة لأنهم لا يوافقونه الرأي، هو أول من ينبغي أن يُسائل نفسه: هل هو فعلاً في المكان الصحيح؟ وهل يدرك أن الكرامة لا تُقاس بعدد الأصوات في الصندوق فقط، بل أيضًا بطريقة احترام الناس واحتضان اختلافاتهم؟