حين تُكذِّبُ السماءُ خبراءَ الطقس.. وتصدق مخاوف العطش!

ضربة قلم
ها هي السماء تفعلها مرة أخرى، تُكذّب تكهّنات أهل الأرصاد، بل وتسخر من تنبؤاتهم العالمية التي جزمت منذ نصف عام أن المغرب سيكون على موعد مع موسم جاف، وكأن السماء قررت أن تُري الجميع أن الأمر ليس بيد الخرائط، ولا الأقمار الصناعية، بل بيد إرادة لا تُقهر.
وإذا كانت بعض التوقعات قد أصرّت على رسم صورة قاتمة لمستقبل التساقطات، فإن الأمطار الأخيرة جاءت لتعيد التوازن للأرقام، بعدما كشفت الحكومة، على لسان ناطقها الرسمي، أن حجم المياه الواردة إلى السدود منذ بداية شتنبر الماضي إلى غاية اليوم، 20 مارس الجاري بلغ حوالي 3 مليارات متر مكعب، أي ما يقارب 2981 مليون متر مكعب. ورغم هذه الكمية التي قد تبدو مشجعة عند مقارنتها بالسنة الماضية، إلا أن الحقيقة تحمل نكهة مزدوجة، فمن جهة تُسجل فائضًا نسبته 57.5% مقارنة بالموسم السابق، لكنها تظل ناقصة عن المعدل السنوي الطبيعي بنسبة 60.5%. إنها المفارقة الأزلية بين “السيء” و”الأسوأ” التي يبدو أن الطقس يُتقن لعبتها جيدًا.
وعندما قررت السماء أن تُفرِغ محتواها أخيرًا، لم تبخل على البلاد بموجة مطرية سخية، إذ تجاوزت التساقطات المسجلة المعدل الطبيعي بنسبة 130%، وبلغت 43.5 ملم مقابل 18.9 ملم فقط في نفس الفترة من السنة الماضية. لكن لا تنخدعوا بهذه النسب المئوية المنتفخة، فحتى مع هذا السخاء النسبي، ما زال هناك نقص يُلوّح في الأفق، إذ بلغ المعدل العام للأمطار منذ شتنبر الماضي إلى منتصف مارس 118.9 ملم، وهو رقم يبدو مُريحًا مقارنة بالمواسم السابقة، لكنه لا يزال دون المعدل السنوي المعتاد البالغ 139.3 ملم، وكأن الأمطار أعطت ما يكفي لإسكات المتذمرين، دون أن تَمنح ما يكفي لطمأنة المتفائلين.
أما السدود، وهي الميزان الحقيقي لأي نقاش حول الماء، فقد عرفت انتعاشة مُعتبرة بفضل هذه التساقطات، حيث استقبلت منذ بداية فبراير حوالي 1718 مليون متر مكعب من المياه، لترتفع نسبة ملئها من 27% إلى 36%، ما يعادل 6.18 مليار متر مكعب. إنها قفزة جيدة، لكنها تظل، كما العادة، أقل مما نحتاج وأكثر مما كنا نتوقع، إذ يبدو أن السدود أيضًا قد تعلّمت فن اللعب بالأرقام.
وبينما يستبشر الفلاحون خيرًا، خصوصًا مع ازدهار المراعي وانخفاض نفقات العلف، فإن هذه الأمطار ليست مجرد أخبار سارة، بل هي أيضًا تذكير صارخ بمدى هشاشة معادلتنا المائية، حيث كل نقطة مطر تتحول إلى رقم في ميزان الأمل والخوف.
قد تكون الأمطار قد قررت أخيرًا أن تُكذب التوقعات، لكن الحقيقة المُرّة تبقى: الكذب هنا ليس انتصارًا، بل هو فقط استراحة مؤقتة من قلق مستمر.