حين يتآخى المال العام مع هواة “المهام الوهمية”

ضربة قلم
في بلاد العجائب الإدارية، حيث يمكن لحبة القمح أن تصبح صومعة، وحيث تتفتح زهور التعويضات في صحراء الشفافية، أطلقت المفتشية العامة للإدارة الترابية رحلة سفاري مثيرة داخل أدغال الجماعات الترابية. الهدف؟ مطاردة كائنات نادرة تُعرف علمياً بـ”تعويضات المهام الوهمية“.
تبدأ الحكاية عندما قررت مجموعة من نواب رؤساء الجماعات ومستشاريهم الاستفادة من “سحر التنقل”، ليس عبر بوابات الزمن، بل عبر أوامر صرف سخية، يمهرها قباض قباضات بمداد لا يجف. والنتيجة؟ أموال عمومية تتبخر كما يتبخر الشاي الساخن في قهوة بلدية.
التحقيقات كشفت عن تنقلات خارقة لأشخاص لم يغادروا مكاتبهم، ومشاركات في ملتقيات لم تُعقد أصلاً، وشراكات تُدار كما تدار حفلات الشاي: الكثير من الضحك والقليل من النتائج. كل ذلك تحت أنظار آمرين بالصرف يبدو أنهم اتخذوا من المال العام حصالة شخصية.
ولأن الشفافية في هذا البلد مثل كائن أسطوري يُروى عنه ولا يُرى، طلب المفتشون وثائق ومستندات تعود لميزانيات جماعات ترابية، فوجدوا أوراقاً مزخرفة بعبارات رنانة مثل “مصاريف إجبارية” و”تغطية نفقات عاجلة”. وبين سطورها، تختبئ فواتير ماء وكهرباء بحجم ميزانية دولة صغيرة.
أما البند الأكثر شعبية فهو “التعويض عن المهمة”، الذي تحوّل إلى آلة لصك المكافآت السياسية. فكل من يغني في جوقة الأغلبية يحصل على نصيبه من الكعكة، بغض النظر عن نغماته النشاز. ولأن “من يملك المفتاح يفتح الخزنة”، تم توزيع التعويضات كما تُوزع الحلوى في الأعراس.
وزارة الداخلية، في محاولة يائسة للظهور بمظهر الحازم، أصدرت تعليمات صارمة عبر مديرية الجماعات. لكن يبدو أن هذه التعليمات واجهت مقاومة شرسة من ثقافة “دبر راسك” المتجذرة في بعض المجالس.
الخلاصة؟ المفتشون مستمرون في التنقيب عن كنوز المال العام المفقودة، بينما يستمر البعض في ممارسة هواية جمع “نقاط الولاء” من خزينة الدولة. وفي انتظار الحلقة القادمة من مسلسل “مهام وهمية وأموال حقيقية”، نترككم مع سؤال بسيط: هل ستتغير الأمور، أم أن كل شيء سيبقى كما هو، تحت شعار “دار لقمان وتعويضاتها على حالها”؟