مجتمع

حين يسبق السمسار البروتوكول: المحمدية في ضيافة الوقاحة الرسمية!

ضربة قلم

آهٍ من السماسرة، يا صديقي! إنهم لا يشبهون أولئك الذين نعرفهم في سوق الخضر، أولئك الطيبين الذين يصرخون بـ «خويا شوف ليا هاد المطيشة”، بل هم كائنات غريبة عجيبة، تستيقظ باكرًا لا لتبحث عن قوت يومها، بل عن صفقة تُنسج في الخفاء، أو صورة تُلتقط أمام اللافتات الرسمية.

نبهنا، وقلنا، ورفعنا السبابة، وكتبنا المقالة تلو المقالة، لكن يبدو أن هذا “السمسار الرسمي” أو “المحظوظ الأزلي”، لا يقرأ إلا صفحات دفتر الشيكات، ولا يسمع إلا الهمس القادم من دهاليز المصالح الشخصية. وها هو بالأمس، يتسلل كما تتسلل القطط إلى الولائم، ويظهر في حفل تنصيب العامل الجديد، دون دعوة، دون صفة، دون حياء حتى. كأن عمالة المحمدية مزرعة خاصة ورثها عن جده الذي قاوم الاستعمار ببطاقة التعريف المزورة!

نقول للعامل الجديد: نعلم أن المراسيم غالبًا ما تكون بروتوكولية، والوجوه تتشابه، خاصة عندما يكثر حولك من يجيدون فن الابتسامة المُطعمة بالمكر، لكن من فضلك، لا تترك كرسيك يُحاصر بمن لا صفة لهم إلا صفة “أنا هنا، لأنني دائمًا كنت هنا”. فذلك الذي حضر بالأمس، ليس سوى تذكار حي من حقبة لا نُحب أن نعود إليها، حقبة كان فيها الهاتف أقوى من القانون، والعلاقات أسبق من القرارات، والمصلحة الخاصة تعلو على المصلحة العامة كما تعلو الوجبات الدسمة على موائد “المخزن”.

أهذا هو المستقبل الذي نريده للمحمدية؟ مدينة كانت تُلقب بـ «مدينة الزهور” صارت مزهرية يضع فيها أمثال هذا السمسار المعروف بطوله ورودًا بلا عطر، وإن وُجد العطر، فغالبًا ما يكون صينيًا وينفجر عند أول حرارة سياسية.

هذا الكائن الرمادي لا يكتفي بتشويه صورة الإدارة، بل يمارس هوايته في اختراق كل فراغ قانوني، وكل مائدة فيها مصلحة، وكل مسؤول جديد لا يعرف بعد من يكون “حكيم السوق”. تراه جالسًا في الصف الأول، يلتقط الصور، يبتسم بثقة اللص الذي يعرف أن الشرطة لن تأتي، ويفكر كيف سيقنع العامل الجديد أن له “مفاتيح المدينة”، وأن لا أحد ينجو من بركاته إن لم “يعرف المقادير”.

إنه ليس مجرد سمسار، بل أسلوب حياة! مدرسة في التملق، معهد في الحضور غير المشروع، أكاديمية في صناعة الفُرص من لا شيء. جاهلٌ يلبس بذلة أنيقة، ويعتقد أن مصافحة مسؤول تعادل دكتوراه في القانون الإداري. لا يفرّق بين البروتوكول والمطبخ البلدي، وبين التشريفات والصدفة. وهو لا يخجل، لأنه فقد القدرة على التمييز بين ما هو شرعي وما هو فاضح. لقد صار الفساد عنده مجرد “تدبير محلي مرن”، وصار القرب من المسؤولين مجرد “علاقة إنسانية”، مثلها مثل صداقة مع الجزار أو بائع الصحف!

ألا يكفينا ما عشناه؟ ألا يكفي ما أُفسد؟ ألا نستحق لحظة صدق في عمالة ظلت لسنوات رهينة هؤلاء الذين يحضرون بدون دعوة، ويأكلون بدون جوع، ويتكلمون بدون علم، ويسمسرون في كل لحظة، ويقرّرون بدون مسؤولية؟!

يا عامل المحمدية الجديد، رجاءً، لا تكن كالعطار الذي اكتفى بالمساحيق والروائح الطيبة لإخفاء العفن. لا تترك هذا النوع من “الحضور المشبوه” يتحول إلى عادة. اطرد هذا “السمسار الأبدي” من جغرافيا الإدارة، قبل أن يصبح هو العامل الفعلي وأنت مجرد صورة في بلاغ رسمي. ولا تنسَ، التاريخ لا يرحم، والصورة التي تُلتقط اليوم قد تكون غدًا مادة في مداولة جماعية أو “رپورتاج” صحفي عن عهدٍ كان فيه السمسار هو السيد.

فلتكن البداية نظيفة… ومن لا صفة له، فمكانه خارج أسوار العمالة، لا في صفوف التشريفات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.