
ضربة قلم
- في الوقت الذي تنهمك فيه الأمم المتقدمة في صياغة تشريعات تقودها إلى مستقبل أكثر إشراقًا، يجد البرلمان المغربي نفسه غارقًا في معركة ملحمية ضد الغياب! نعم، فالغياب بات أمَّ الكبائر في هذه المؤسسة، حتى إن بعض النواب يُعاملون كما لو أنهم أرواح شريرة لا يجوز استحضارها إلا عبر عدسات الكاميرات الذكية التي جاد بها علينا تطور التكنولوجيا.
لنكن صرحاء، هل نحن فعلًا بحاجة إلى كاميرات لمراقبة «النواب» وهم يحضرون جلساتهم؟ وهل الحل لمشكلة الغياب هو مجرد تسجيل الحضور كما لو أننا نتحدث عن تلاميذ في مدرسة ابتدائية؟ أم أننا أمام خدعة جديدة لصرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية؟
غرفة الصدى: حيث يُسمع التصفيق أكثر من الكلمات
إذا كنا سنناقش الحضور، فعلينا أولًا أن نتساءل: ما جدوى حضورهم أصلًا؟ هل هو لإثراء النقاشات؟ لاقتراح حلول عملية؟ أم لمجرد تزيين القاعة بأجسادهم المتخشبة بينما الأدمغة في سبات عميق؟ لنتفق على أن البرلمان المغربي، في شكله الحالي، هو أشبه بمسرح صامت حيث الحاضرون لا يفعلون شيئًا سوى انتظار دورهم في التصفيق، والتصفيق فقط!
بل لنذهب أبعد من ذلك، البعض منهم، حتى لو أجبرناه على الحضور ووضعناه على مقعده بالقوة، فإنه لن ينطق بحرف، ولن يقدم فكرة، ولن يتفاعل حتى مع المواضيع المصيرية. فهل يختلف هؤلاء عن الغائبين؟ أم أن الغائب على الأقل يجنبنا رؤية هذا العجز الفكري القاتل؟
البرلمان أو نادي الأثرياء؟
في الحقيقة، المشكلة ليست فقط في الحضور أو الغياب، بل في طبيعة هؤلاء «المنتخبين» أنفسهم. من هم؟ كيف وصلوا إلى القبة؟ بماذا يفكرون؟ هل يعرفون حتى معنى التشريع؟
لنكن صادقين، الأغلبية الساحقة من هؤلاء لم يُنتخبوا لأنهم عباقرة في القانون الدستوري أو خبراء في السياسات العامة، بل لأنهم أبطال في فن الحشد الانتخابي، وتوزيع القفف، وشراء الذمم. وهكذا نجد أنفسنا أمام مجموعة من «رجال الأعمال»، و«وجهاء القبائل»، و«الأعيان»، الذين يجهلون حتى الفرق بين المرسوم والقانون، ويظنون أن التشريع هو مجرد اجتماع عائلي يُدار وفق منطق “المعرفة” و”التربيط”.
الكاميرات ستُسجل الغباء أيضًا؟
الطريف في الموضوع أن البرلمان قرر أن يستثمر في كاميرات تراقب الحضور، لكنه لم يستثمر في أي شيء يرفع مستوى النقاش. فهل ستُسجل هذه الكاميرات لحظات الصمت المطبق عندما يُطرح موضوع جدي؟ هل ستلتقط دهشة البرلماني عندما يُطلب منه أن يقرأ وثيقة رسمية؟ أم أنها ستُسجل فقط أصوات النعاس والتثاؤب الجماعي؟
الأغرب أن الحلول الذكية دائمًا ما تذهب إلى “الشكليات” بدل “الجوهر”. بدلًا من أن نحاسب هؤلاء على أدائهم، نُحاسبهم فقط على الحضور والغياب. فليحضر الجميع إذن، ولكن ليفعلوا ماذا؟ ليحضروا جسديًا بينما عقولهم تسرح في المشاريع الخاصة والمكالمات الهاتفية وصفقات البقع الأرضية؟
البرلماني بين رجل الأعمال والراقص الاحتياطي
في النهاية، المشكلة ليست فقط في غياب النواب، بل في حقيقة أن البرلمان المغربي تحوَّل إلى واجهة بلا روح، أشبه بنادٍ مغلق لأصحاب المصالح، حيث يتم تقاسم الامتيازات وتوزيع المناصب، بينما الشعب يُترك ليواجه أزماته وحيدًا. البرلمان ليس سوى مرآة للوضع السياسي في البلد، حيث تغيب المحاسبة ويُستبدل التشريع بالمجاملات.
فلتُراقبوا الغياب كما تشاؤون، فلتُركبوا ألف كاميرا، ولكن لن يتغير شيء طالما أن “الحاضر” مثل “الغائب”، وكلاهما لا يفقه شيئًا عن دوره الحقيقي! فهل هناك تقنية تقيس مستوى الذكاء السياسي والوعي التشريعي؟ هذا هو السؤال الحقيقي!