مجتمع

حين يكتب التربويون بضمير: الدكتور سعيد جميل يضع الباكالوريا تحت المجهر

ضربة قلم

استهلال تحليلي

في زمن صار فيه التعليم ساحة ضجيج أكثر منه ساحة فكر، وقلّت فيه الأقلام التي تكتب بنبض الضمير التربوي لا بإملاءات المناسبات، يطلّ علينا الدكتور سعيد جميل بمقال تربوي موسوم بـ “نتائج الباكالوريا تحت المجهر”، ليضع إصبعه دون تردّد على جرحٍ قديمٍ متجدّد، اسمه اللامساواة المجالية والبنيوية داخل المنظومة التعليمية المغربية.
لكن الدكتور سعيد جميل ليس مجرد أستاذ جامعي، ولا مجرد خبير تربوي…
هو رجل يحمل اسمه ودلالته بصدق نادر: “سعيد” لأنه يزرع الأمل في عتمة الإحباط التربوي، و”جميل” لأنه يُؤمن بجمالية الفكر حين يخدم الإنسان لا حين يُبرّق على الورق.
من يتتبع مساره الأكاديمي يدرك أن هذا الرجل لا يكتب لملء الأعمدة الصحفية، بل ليملأ فراغًا في النقاش العمومي الجاد. لا يكتب ليتكلم، بل ليُسمِع. ولا يتكلم من أعلى المنصة، بل من داخل الفصول، من عمق المعاناة، ومن قلب الأسئلة التي يتهرب منها كثيرون.
إشعاع إنساني وتربوي مميز
الدكتور سعيد جميل هو نموذج للمثقف الميداني، الذي جمع بين التكوين الأكاديمي الرصين والخبرة الميدانية الحقيقية، وبين التحليل العقلاني والحس الإنساني.
صاحب سمعة طيبة تسبقه حيثما حلّ، لأنه ببساطة لا يركب الموج، ولا يبيع الوهم، بل يزرع بذور النقد المسؤول في أرض الواقع التربوي.
إيجابيات الرجل لا تُحصى، ويمكن تلخيصها في ثلاث مرتكزات:
الإنصات للمدرسة من الداخل:
لا يكتب من برجه العاجي، بل يكتب من قلب المؤسسات، ويعكس نبض التلاميذ والمدرسين والمديرين، ويحوّل هذه الأصوات المهمشة إلى مادة تحليل راقٍ.
الجرأة المتزنة:
ينتقد من الداخل دون خصومة، يفضح التفاوت دون شعبوية، يطرح الأسئلة الحقيقية دون أن ينساق وراء التهويل أو التبخيس. يوازن بين الأمل والحزم، بين الطموح والواقع.
الإيمان العميق بالإصلاح الممكن:
رغم سواد المشهد، لا يفقد إيمانه بأن المدرسة المغربية قادرة على النهوض، إذا ما أُعيد النظر في تمركز القرار، وتفويض السلطة للمؤسسات، وتثمين العنصر البشري داخلها.
الإيمان العميق بالإصلاح الممكن:
رغم سواد المشهد، لا يفقد إيمانه بأن المدرسة المغربية قادرة على النهوض، إذا ما أُعيد النظر في تمركز القرار، وتفويض السلطة للمؤسسات، وتثمين العنصر البشري داخلها.
1. طرح إشكالية بنيوية بجرأة وأمانة:
المقال يطرح بجرأة موضوع تفاوت نسب النجاح في امتحانات البكالوريا بين المؤسسات التعليمية، خاصة بين المناطق الحضرية والقروية، وبين القطاعين العام والخاص. هذه الملاحظة ليست جديدة، لكنها أخذت عمقًا جديدًا في تحليل الدكتور سعيد جميل، الذي ركّز على ضرورة مساءلة البنيات التحتية والعدالة المجالية في توزيع الفرص التعليمية.
ما يُحسب للكاتب، أنه لم يتعامل مع الأرقام كزينة للإحصاء، بل كمرآة لعطب بنيوي في المنظومة التربوية المغربية، يستوجب تفكيرًا جذريًا لا ترقيعًا مرحليًا.
2. الدعوة إلى التدبير الذاتي للمؤسسات:
من النقاط القوية التي يُمكن الوقوف عندها، دعوة الكاتب إلى تبني مقاربة التدبير الذاتي للمؤسسات التعليمية. وهو توجه حديث يُراهن على تمكين المؤسسات من استقلالية في اتخاذ القرار، وتدبير الموارد البشرية والمادية، وفق خصوصياتها المحلية.
هذه الدعوة نابعة من قناعة عميقة بأن المركزية المفرطة أصبحت عبئًا، وآن الأوان للانتقال نحو نموذج يُراعي خصوصية المؤسسة وظروفها وسياقها المحلي.
3. تحميل المسؤولية دون تهرّب أو تهجّم:
ما يُميز أسلوب سعيد جميل هو قدرته على انتقاد الأعطاب التربوية دون التورط في التهجم أو جلد الذات. هو يُحمّل المسؤولية للمؤسسات، والمجالس المنتخبة، والوزارة، ولكن بمنطق تشاركي، لا بمنطق الخصومة.
ويُذكّر القارئ بأن الإصلاح لا يكون بنشر نسب النجاح فقط، بل بفهم خلفياتها، وظروف إنتاجها، ومآلاتها.
4. الحس التربوي والبعد الإنساني في الطرح:
من خلال هذا المقال، يظهر جليًّا أن الدكتور سعيد جميل لا يكتب كأكاديمي يراقب من أعلى، بل كفاعل تربوي ميداني يحمل همّ التلاميذ، ويدافع عن حقهم في تعليم منصف وجيد. لا غرابة، فسيرته الطيبة، كما ذكرنا تسبقه أينما حل وارتحل، ويكفي أنه اختار أن يجعل قلمه صوتًا لمن لا صوت له من أبناء الهامش والمدارس المهمشة.
ملاحظات إيجابية حول بنية المقال:
العنوان موفق وقوي: “نتائج الباكالوريا تحت المجهر” يشير إلى روح المساءلة والتحليل دون تهويل.
غنى بالمقارنات والنسب المئوية: يعزز مصداقية الطرح ويُظهر تتبعًا حقيقًا للواقع الميداني.
تنوع زوايا التحليل: بين المعطيات الرقمية، والمقاربات التربوية، والاقتراحات الإصلاحية.
توظيف صور وأرقام داعمة: يعطي المقال طابعًا توثيقيًا مهمًا، خاصة ما يخص ترتيب بعض المؤسسات.
خاتمة تحليلية:
مقال الدكتور سعيد جميل هو جرس إنذار تربوي بصيغة راقية. لا يدعو للثورة، بل للعقلنة. لا ينغلق في جلد الذات، بل يفتح نوافذ نحو مقاربات جديدة، تُراهن على التدبير المحلي، وعلى تمكين المدرسة من أن تكون فاعلة لا مُنفذة فقط.
وفي زمن تُستهلك فيه الكتابات التربوية بين التنظير المفرط والتشكيك العدمي، يبرز قلم هذا الخبير التربوي كصوت متزن، عارف، صادق، ومشبع بالإنصات لنبض المدرسة المغربية الحقيقية.
فله منا كل التقدير، ونتمنى أن تجد هذه المقالات المضيئة من يلتقط رسائلها لا من يكتفي بقراءتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.