حين يوقّع الدم على الورق: بودريقة والعائلة والشكوك التي لا تموت

ضربة قل
بكل واقعية ودون مجاملة، نحن أمام مشهد درامي مغربي بامتياز: قضية لا تعني نادي الرجاء كمؤسسة رياضية، بل تتعلق برئيسه السابق، الذي يتابع من بعيد من ألمانيا، حيث لا تزال التهم غامضة. إنها قصة يتدامخل فيها الشك والميراث والوثائق، ويختلط فيها الدم العائلي بالاختيارات القانونية المشبوهة، في مشهد يغيب فيه الحياء أمام التوقيع على ممتلكات قد لا تعود لأصحابها.
القضية التي تطال اسم محمد بودريقة، الرئيس السابق لنادي الرجاء البيضاوي، تتجاوز بكثير ما هو رياضي، وتغوص في مستنقع مغربي مألوف: التزوير، استغلال النفوذ العائلي، ومسؤولون محليون يجعلون من “مصلحة تصحيح الإمضاءات” مكتبًا لتصحيح مسار الثروة… لكن لفائدة من؟
الوكيل العام للملك لم يكتف بالتحقيقات، بل التمس رسميًا من قاضي التحقيق متابعة أربعة أشخاص في حالة اعتقال. المثير للانتباه أن هؤلاء ليسوا “أشخاصًا غرباء”، بل بينهم زوجة ابن خال بودريقة، وابن خاله نفسه، وموظفان في مصلحة يفترض أن تكون حصنًا للشفافية القانونية. نعم، نحن نتحدث عن نفس المصلحة التي يُفترض أنها تحمي المواطنين من التزوير، فإذا بها ـ حسب معطيات الملف ـ تسهّل الطريق له.
وإذا كان قاضي التحقيق قد قرر حفظ الملف في حق والدة بودريقة وأفراد آخرين من العائلة، فإن ذلك لا يلغي حجم “الرائحة” التي بدأت تنبعث من هذا الملف. فمجرد استدعاء الأم، والأشقاء، وزوجة الشقيق المتوفى، لا يمكن إلا أن يطرح الأسئلة العميقة: أين تتوقف المسؤولية القانونية، وأين تبدأ المسؤولية الأخلاقية؟
أبناء الشقيق المتوفى -ومن بينهم قاصرون- هم من فجّروا هذه القنبلة الأخلاقية. أبناء يُفترض أنهم يجدون في أقاربهم سندًا، فإذا بهم ـ وفقًا لما يدّعون ـ يواجهون “عصابة منظمة”، لا تتردد في تزوير، إتلاف وثائق، والاستيلاء على الإرث، تحت غطاء “العائلة أولًا”، لكن للأسف… العائلة المستفيدة فقط.
والأخطر من كل هذا، هو أن الخال ـ المنعش العقاري المعروف ـ ليس وجهًا جديدًا على العدالة. فقد سبق أن أدين بأربع سنوات حبسًا نافذًا في قضية مشابهة تتعلق بعقار ضخم في بوسكورة. والسؤال الآن: هل هي صدفة أن تتكرر الأسماء والسيناريوهات؟ أم نحن أمام نمط متكامل من الاستفادة الممنهجة من الثغرات القانونية، بل ومن “الدم العائلي” نفسه؟
هذه القضية تضعنا مرة أخرى أمام هشاشة منظومة الإرث والعقار في المغرب. وتكشف إلى أي مدى يمكن أن تنزلق العلاقات العائلية إلى دروب خطيرة حين تتشابك مع الطمع، والنفوذ، و”علاقات المصالح”.
ليس مهمًا إن تمت تبرئة بعض الأسماء أو حفظ الملف في حقها، الأهم أن الرسالة وصلت: الفساد لا يحتاج إلى مافيا منظمة بقدر ما يحتاج إلى “قرابة”، وتوقيع واحد، وموظف ضعيف أمام الإغراءات.
فهل تتحرك الدولة لإعادة النظر في كيفية اشتغال مصالح تصحيح الإمضاءات؟ وهل سنشهد إصلاحًا حقيقيًا يحمي الإرث، والوثائق، والمستقبل من “التواقيع المغشوشة”؟ أم أننا سنكتفي بمتابعة هذه القضايا كما نشاهد مسلسلاً رمضانياً شيقًا… لا أكثر؟