مجتمع

حين يُضرب الأستاذ في قلب الرباط… تسقط هيبة المدرسة العمومية

ضربة قلم

حادث آخر يضاف إلى السلسلة الطويلة من الجراح التي تنزف بها المدرسة العمومية المغربية.
هذه المرة، لم يكن الأمر سوء فهم داخل القسم، ولا مجرد مشادة كلامية عابرة، بل اعتداء جسدي مباشر طال أستاذًا بثانوية عمر الخيام التأهيلية بالرباط، أستاذ كان يؤدي واجبه، يزرع في العقول معنى الحرف والكلمة، قبل أن يسقط ضحية لفعل طائش من تلميذين لم يعودا يريان في المدرسة حرما تربويا، بل ساحة لتصفية نزوات ومكبوتات.

الواقعة، كما تناقلتها مصادر من المؤسسة، كانت صادمة بكل المقاييس: لحظة شرح عادية تحولت إلى فوضى، صراخ التلاميذ، ارتباك الأطر، ذهول الزملاء الذين لم يصدقوا أن جسد المدرس – ذاك الرمز الذي كان يُهاب – أصبح اليوم هدفًا مباحًا للركل واللكم والإهانة.
في ممرات الثانوية، كان الصمت ثقيلاً، كأن الجدران نفسها تشهد حزناً على زمنٍ كانت فيه العصا رمز الانضباط، لا أداة انتقام من الأستاذ.

تفاعلاً مع الحادث، أصدر المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم بالرباط بلاغاً نارياً عبّر فيه عن “استنكاره الشديد لهذا السلوك الهمجي”، محمّلاً الإدارات التربوية مسؤولية ما وصفه بتراكم مظاهر الفوضى داخل المؤسسات التعليمية. فالمشكل  -في نظر النقابة- لم يعد حادثاً معزولاً، بل مؤشراً على أزمة قيم، وانهيار ممنهج لهيبة المدرسة المغربية.

وأشار البيان إلى أن مديرة المؤسسة تتحمل جزءاً من المسؤولية نتيجة “سوء تدبير المناخ التربوي وغياب المتابعة الدقيقة للتلاميذ ذوي السلوكات العدوانية”، مؤكداً أن الصمت الإداري هو الذي يهيئ الأرضية لمثل هذه الانفجارات المفاجئة.
أما المديرية الإقليمية للتربية الوطنية، فقد وُجهت إليها أصابع الاتهام بالتقاعس عن حماية الأطر التربوية وتركهم في مواجهة المجهول، دون إجراءات رادعة أو آليات وقائية تضمن الأمن داخل الفصول الدراسية.

لكن خلف البلاغات والاستنكارات، يبقى السؤال المرّ مطروحاً:
كيف تحولت المدرسة – التي كانت بيتاً ثانياً للأبناء – إلى فضاء للخوف والتوجس؟
أين اختفى الاحترام الذي كان يرافق الأستاذ حتى في الشارع، حين كان يُنظر إليه باعتباره حامل رسالة، لا مجرد موظف؟

الحادث ليس مجرد واقعة تربوية، بل مرآة تعكس ما آل إليه المجتمع من تآكل في منظومة القيم، وتراجع في سلطة التربية. فمنذ متى صار التلميذ خصماً لأستاذه؟ ومنذ متى أصبح القسم مكاناً يُقاس فيه العنف لا العلم؟

إن ما وقع بثانوية عمر الخيام جرس إنذار جديد، لا يجب أن يُسكت بصوت البلاغات، بل بخطة فعلية تعيد للمدرسة المغربية روحها المفقودة.
خطة تُعيد الاعتبار للأستاذ (ة)، وتُوفر الأمن النفسي والجسدي للتلاميذ، وتُعيد الانضباط إلى فضاء كان من المفترض أن يكون محراباً للعلم لا ساحة للعنف.

المؤسسة التعليمية ليست فقط جدراناً وأقساماً، بل روح وطن.
وإذا تهاوت هذه الروح، فإن مستقبل الوطن بأكمله سيكون في خطر.
فهل من يسمع صرخة أستاذ سقط في قلب الرباط… لأنه ببساطة أدى واجبه؟

تنبيه: الصورة تعبيرية ولا صلة لها بالواقعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.