مجتمع

دفاعا عن مدينة ابن أحمد: من هو المجرم؟ الطالب أم واضع الامتحان؟

ضربة قلم

في زمن الامتحانات التي يُفترض فيها أن تربي على المنطق والعدل والتمييز بين الواقع والافتراض، أصر أحد أساتذة كلية الحقوق بسلا على أن يخترق كل القواعد، لا بوصفه “عالِمًا في الإجرام”، بل باعتباره جراحًا مبتدئًا فتح جرحًا لم يندمل بعد، وسكب عليه الملح في قاعة الامتحان بكل برودة أكاديمية.

الورقة الملعونة؟ امتحان مادة “علم الإجرام”. الضحية؟ مدينة ابن أحمد.

نعم، ابن أحمد، تلك الحاضرة التي أنجبت الأدباء، والمثقفين، والكوادر الإدارية، والمهندسين، بل ووزراء ومسؤولين ممن لا يجرؤ واضع الامتحان على ذكر أسمائهم، لأنها بكل بساطة أسماء أثقل من ورقته.

بدل أن يبتكر سيناريو افتراضيًا خياليًا – كما هي عادة امتحانات علم الإجرام في العالم بأسره – أصرّ الأستاذ الفاضل على اختيار مدينة “ابن أحمد” بالاسم، كأننا في جلسة محاكمة شعبية، لا في فضاء جامعي يُفترض أن يعلم الناس كيف يُفكرون لا كيف يُشوّهون.

والأدهى من ذلك؟ هو أن واضع السؤال لم يُعطِ فرصة للطلبة لتطبيق مبدأ “قرينة البراءة”، بل جرّهم جرًا إلى خانة الاتهام الجاهز، حيث كتب بدم بارد أن الشخص المتهم ارتكب فعلا جريمة وحشية، ثم طلب منهم تصنيفه كما لو أن الطلبة محلفون في محكمة تفتيش.

ابن أحمد… مجرمة إذن؟

هل كل مدينة وقعت بها جريمة تُصبح مرادفًا للوحشية؟
هل لو ارتُكبت جريمة في “سلا” سنصوغ السؤال على الشكل التالي: “شهدت سلا جريمة مروعة على يد شخص صلّى الصبح وذبح زوجته قبل الإفطار؟”
قطعًا لا، لأن الأستاذ حينها سيفكر ألف مرة قبل أن “يفضح أهله”.

لكن حين تكون المدينة صغيرة، مهمشة، غير ممثلة بقوة في دوائر النفوذ، يصبح ذكرها عاديًا، وكأنها مجرد فاصل بين قريتين في هامش الخريطة.

نُدافع لا نعتذر!

ابن أحمد لم تكن يومًا بقعة رمادية في الجغرافيا المغربية. هي مدينة ذات جذور تاريخية، أنجبت من ركبوا القطار نحو الجامعات الكبرى، ومن عبروا المحيط نحو الدراسات العليا، ومن عادوا ليؤسسوا مدارس، ومراكز صحية، وحتى مصالح أمنية قد لا يعرف واضع الامتحان بوصلتها جيدًا.

ابن أحمد أنجبت قضاة، عمداء شرطة، مفكرين، وأطرًا يحتفى بهم في المحافل العلمية، لا في هوامش الأوراق الامتحانية المشبوهة.

خلاصة ساخرة جدًا… ولكن جادة

عزيزي واضع السؤال، إن كانت لديك أزمة في تأليف سيناريو تخييلي محترم، ننصحك بمراجعة أرشيف الأفلام المغربية، أو ببساطة: ضع مدينة خيالية مثل “أبو النملة”، “عين البومة”، أو حتى “حي الزعتر”…

أمّا ابن أحمد؟ فلا تُذكرها إلا ويدك على قلبك ولسانك ينطق: رحمًا بها وبأهلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.