دفتر تحملات دعم النشر والكتاب 2025: بين الطموح الثقافي والعقبات البيروقراطية

ضربة قلم
تسعى وزارة الشباب والثقافة والتواصل من خلال دفتر تحملات دعم النشر والكتاب لعام 2025 إلى خلق دينامية جديدة في المشهد الثقافي المغربي، عبر توفير “دعم مالي” للمشاريع التي تساهم في تنشيط قطاع النشر والكتاب. ورغم أهمية هذه المبادرة من حيث المبدأ، إلا أن قراءتها النقدية تكشف عن مجموعة من الإيجابيات والتحديات التي قد تؤثر على فعاليتها، خاصة فيما يتعلق بالمساطر البيروقراطية وطبيعة المشاريع المؤهلة للدعم.
-
رؤية استراتيجية أم اجتهاد إداري؟
يقدم الدفتر تصورًا شاملاً لدعم النشر، مقسمًا إلى سبعة مجالات رئيسية تشمل نشر الكتب والمجلات، ودعم المكتبات، والمشاركة في المعارض، وإقامات المؤلفين، وغيرها. هذه الرؤية تعكس وعياً بأهمية تنويع الدعم ليشمل مختلف الفاعلين في الحقل الثقافي.
لكن على الرغم من هذا التصور الطموح، فإن الوثيقة تبدو أقرب إلى إطار إداري صارم، يركز على الإجراءات والوثائق أكثر من كونه مشروعًا استراتيجياً لتنمية صناعة الكتاب والنشر. فبدلاً من التركيز على جودة الإنتاج الأدبي وتأثيره، نجد أن الأولوية تُمنح لمطابقة الملفات للشروط الشكلية، مما قد يؤدي إلى إقصاء مشاريع ذات قيمة ثقافية عالية لمجرد تعثرها في بعض التفاصيل الإدارية.
-
بيروقراطية مُعقدة قد تخنق الإبداع
من خلال تحليل شروط الاستفادة، يتضح أن الحصول على الدعم يتطلب مسارًا شاقًا مليئًا بالإجراءات والوثائق، والتي قد تكون عائقًا أمام الناشرين المستقلين والمؤلفين الأفراد. فالاشتراطات المتعلقة بالسجل التجاري، والوضعية الجبائية القانونية، وعقود النشر، وتقارير لجنة القراءة، كلها متطلبات قد لا تكون في متناول الجميع، خاصة في قطاع يعاني أصلًا من ضعف البنية التحتية والتوزيع.
ومن المفارقات أن الدفتر يمنح اهتمامًا خاصًا للكتاب الأول والمشاريع الشبابية، لكنه في الوقت نفسه يفرض متطلبات قد تعرقل دخول المبدعين الجدد إلى السوق، حيث أن معظم الكتاب الشباب لا يمتلكون خبرة في التعامل مع الإجراءات القانونية المعقدة.
-
دعم النشر الورقي والرقمي: خطوة متأخرة ولكن ضرورية
يلاحظ أن الوثيقة تفتح المجال لدعم النشر الرقمي والكتب الصوتية، وهو تطور إيجابي بالنظر إلى التحولات الرقمية المتسارعة. غير أن الشروط الموضوعة تجعل هذا الدعم غير جذاب، إذ يُشترط توفير الكتب الرقمية بثلاثة تنسيقات (PDF، ePub، وXML) وإثبات توفرها عبر موزع إلكتروني، وهو أمر قد يكون معقدًا لكتاب مستقلين أو ناشرين صغار.
كان من الأجدر أن يتم تشجيع منصات رقمية مغربية للنشر بدلًا من فرض معايير تكنولوجية قد لا تكون متاحة بسهولة. فالتحول الرقمي لا يتحقق فقط بفرض صيغ معينة، بل بدعم بيئة رقمية متكاملة تشجع على القراءة والإبداع.
-
هل الدعم موجه للنشر أم للناشرين؟
رغم أن البرنامج يحمل اسم “دعم النشر والكتاب”، إلا أن تركيزه الأساسي ينصب على دور النشر والجمعيات، مما يقلل من استفادة الكتاب الأفراد بشكل مباشر. فباستثناء إقامات المؤلفين، لا توجد آلية واضحة تتيح للمؤلف أن يحصل على دعم مستقل لنشر عمله دون الحاجة للمرور عبر دار نشر.
هذا التوجه يعكس استمرار هيمنة “الوساطة” في القطاع الثقافي، حيث يتم تفضيل الناشرين كوسطاء للحصول على الدعم، مما قد يؤدي إلى اختلالات، مثل نشر كتب دون مستوى ثقافي أو فني جيد لمجرد أن الجهة الناشرة تتوفر على الشروط الإدارية المطلوبة.
-
استبعاد بعض الفئات من الدعم: أين الخط الفاصل؟
الدفتر يستبعد صراحة الكتب ذات الطابع الصحفي والمقالات المجمعة، كما يرفض دعم الكتب الدراسية والبيداغوجية، وهو توجه يمكن تفهمه نظريًا لضمان أن يكون الدعم موجهًا للإنتاج الثقافي والإبداعي. ولكن في المقابل، لم يوضح الدفتر بدقة أين ينتهي الخط الفاصل بين الكتاب الثقافي والكتاب التعليمي؟ هل كتاب في الفلسفة أو الاقتصاد موجه للجمهور العام يمكن تصنيفه ضمن النشر الثقافي، أم سيعتبر تعليميًا؟
بالإضافة إلى ذلك، لم يتم توضيح موقف الدعم من الكتب التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية، وهو أمر يثير تساؤلات حول ما إذا كان الدعم موجهاً فعلًا لخدمة الإبداع الحر، أم أنه يخضع لتوجهات معينة.
-
دعم المعارض وإقامات المؤلفين: خطوة إيجابية ولكن…
تخصيص دعم للمشاركة في المعارض الدولية وإقامات المؤلفين يعد خطوة مهمة لدعم انتشار الكتاب المغربي، لكنه يظل مشروطًا بمجموعة من المعايير التي قد لا تكون متاحة للجميع. فمثلاً، دعم المشاركة في المعارض مشروط بوجود سجل للإصدارات السابقة، مما قد يحرم الناشرين الجدد من فرصة الاستفادة من هذا الدعم في بداياتهم.
أما بالنسبة لإقامات المؤلفين، فالدفتر لا يوضح كيفية اختيار المستفيدين بناءً على قيمة مشاريعهم، وما إذا كان هناك دعم لمشاريع ذات طابع بحثي أو أكاديمي، أم أن الأولوية تُمنح للإبداع الأدبي فقط؟
-
العقوبات واسترجاع الدعم: ضرورة أم ترهيب؟
واحدة من النقاط التي تستحق النقاش هي بند استرجاع الدعم في حالة عدم تنفيذ المشروع في الوقت المحدد. رغم أن هذا الإجراء يهدف إلى ضمان الجدية، إلا أنه قد يكون عائقًا أمام بعض المشاريع التي قد تتأخر لأسباب غير متعمدة، مثل مشاكل الطباعة أو التمويل الذاتي الموازي للدعم.
خاتمة: دعم يحتاج إلى رؤية أعمق
دفتر تحملات دعم النشر والكتاب 2025 يعكس نية واضحة في النهوض بقطاع النشر المغربي، لكنه لا يخلو من ثغرات قد تحد من فعاليته. هناك حاجة إلى تبسيط الإجراءات، وتوسيع نطاق الدعم ليشمل المؤلفين بشكل مباشر، وتشجيع مشاريع النشر الرقمي بشكل أكثر مرونة.
الرهان الحقيقي ليس فقط في توفير الدعم، بل في ضمان أن يصل إلى من يستحقه حقًا، وأن يساهم في خلق بيئة ثقافية أكثر حيوية وانفتاحًا، بدلًا من أن يصبح مجرد إجراء بيروقراطي آخر في ملف الثقافة المغربية.