دورة ماي: كراسي تتطاير وتنمية تطير!

ضربة قلم
مع دورة ماي في المجالس الجماعية، تنطلق مجددًا فصول المسرحية التي لا تنتهي، تلك التي تُعرض بلا توقف ولا مراجعة نص. وكالعادة، يبدأ العرض في جماعة “4 ملايين من السنتيمات”، حيث التنمية ضائعة بين اللجان، والخدمات تختبئ خلف المذكرات، بينما تصرف الملايين لإصلاح باب مرحاض لم يُغلق منذ ولاية المجلس السابق.
تبدأ الجلسات على إيقاع النشيد السياسي الوطني: الصراخ، الاتهامات، التلويح بالملفات الثقيلة التي لا يفتحها أحد، وتبادل نظرات العداء المبطّن أو المكشوف، حسب الحالة المزاجية للمستشارين. يدخل البعض القاعة وكأنهم يستعدون لتمثيل مشهد بطولي في فيلم نضالي، وآخرون يأتون فقط لتوقيع الحضور والانسحاب بهدوء، في مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء. أما البقية، فهم جمهور مُكره على متابعة عرض عبثي لا يتغير.
بمجرد أن ينتهي شهر العسل بين المكونات، تبدأ مرحلة “المعقول” التي لا علاقة لها بالمعقول. تتفجر الصراعات، وتتحول القاعة إلى مصارعة حرة. البعض يعتقد أن رفع الصوت هو دليل على الوعي السياسي، والآخر يرى أن الشتم والتهكم والتهديدات أدوات فعّالة للضغط. كأننا أمام نسخة محلية من برنامج تلفزيون الواقع: من سيُطرد أولًا؟ من سيُتهم بالفساد؟ ومن سيُغادر الجلسة غاضبًا بعد أول تصويت؟
وفي وسط كل هذا، يغيب المواطن، ذلك الذي انتخبهم وهو يحلم بشوارع مُنارة، وخدمات رقمية، ومرافق عمومية تليق بالبشر. لكنه يجد نفسه يتابع من بعيد مسلسل المجالس الجماعية بجودة منخفضة وسيناريو مكرر، أبطاله يتحدثون كثيرًا ويشتغلون قليلاً، ويستحضرون المصلحة العامة فقط عندما تُهدد مصالحهم الشخصية.
الأحزاب السياسية، من جهتها، تخرج من السبات العميق مع كل موسم انتخابي، مثل الفطر بعد المطر. توزّع الشعارات، وتلتقط الصور، وتقدّم وعوداً عابرة للقارات، ثم ما تلبث أن تختفي بمجرد ظهور النتائج. ولا أحد يسأل: من اختار هؤلاء؟ وعلى أي أساس؟ وهل من بين المعايير أن يكون المُرشح قادراً على الصراخ أطول مدة دون انقطاع؟ الكارثة أن بعض الأحزاب لا تظهر إلا على الورق، ولا تؤطر إلا داخل صفحات برامجها الانتخابية، أما في الواقع، فهي أول من يفر من طاولة المسؤولية.
أما عن رؤية الحكامة الجيدة والنجاعة في التدبير، فهي تُستدعى في المناسبات فقط، تُكرر بطريقة ببغائية، وتُنسى بمجرد انتهاء الجلسة. فمنطق “آجي نكملو النصاب ونصوتو” يسود، ولو على مشروع لا يعلم أحد تفاصيله. المهم أن تمر الدورة، ولو على جثة المصلحة العامة.
هكذا تستمر الحياة في المجالس المنتخبة، وتستمر الجماعة “4 ملايين” في حصد الهزائم التنموية. والمواطن؟ عليه أن يصبر حتى الانتخابات المقبلة، حيث تُعاد نفس الوجوه، بنفس الأساليب، وتُقدم له نفس الحكاية بعنوان جديد… لكن بنهاية يعرفها سلفاً.