دفاتر قضائية

رئيس جماعة “يسقيها على خاطرو”… العدالة تُصفي حساب الماء!


ضربة قلم

في مشهد يصلح لمسلسل من نوع “سراب التنمية”، أصدرت المحكمة الابتدائية بزاكورة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 حكمها في قضية رئيس جماعة ترناتة، المتهم بتحويل الماء العمومي إلى مشروعه الفلاحي الخاص، وكأن الموارد المائية “ملكه المخزني الموروث عن الجد”.
المحكمة اكتفت بأربعة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 2000 درهم، أي ما يعادل ثمن صهريج ماء في عز الصيف، بعد مداولات استغرقت جلسات طويلة كان يمكن اختصارها في سؤال بسيط: من يسقي من؟

التحقيقات كشفت أن الرئيس لم يكتفِ بإدارة الجماعة، بل قرر إدارة مجرى المياه أيضًا، فحوّل قنوات الماء الصالح للشرب لتصبّ بسخاء في ضيعته الفلاحية. وهكذا، بينما كانت الساكنة تبحث عن قطرة في الصنابير، كانت الحقول التابعة له “تسبح” في الرفاهية المائية.

التهم كانت دسمة: “تعييب منشأة مائية”، و”اختلاس قوى اقتصادية”، و”تحويل مياه عمومية بدون إذن”، و”جلب مياه بدون ترخيص”… باختصار، الرجل حوّل المرفق العام إلى صنبور خاص.

اللجان التفتيشية التابعة لوزارة الداخلية والمكتب الوطني للماء والكهرباء أكدت وجود تحويلات غير مشروعة في الشبكة المائية، استمرت لأكثر من خمس سنوات، وهي المدة نفسها التي كان فيها المواطنون يحتفظون بزجاجات الماء الفارغة كـ”تحف منزلية”.

المفارقة؟
أن هذه “الضيعة المائية” ازدهرت في زمن الجفاف!
فبينما كانت نشرات الأخبار تحذر من ندرة المياه، كان الرئيس يسقي أشجاره بضمير مرتاح، وكأن شعار المرحلة عنده هو: “الماء للجميع… ما عدا الناس!”

الساكنة، التي لم تجد ما تروي به عطشها، روت قصصها للسلطات، لتتحرك لجنة مختلطة من الدرك والداخلية والمكتب الوطني للماء. وبعد شهور من البحث والتقارير، صدر الحكم. لكن السؤال الذي تبقى جفونة العدالة عالقة فيه:
هل سيتبخر هذا الحكم مثل قطرة في صيف زاكورة، أم ستفعّل وزارة الداخلية مسطرة العزل وتُنهي عهد “الري بالمزاج السياسي”؟

الحقوقيون تساءلوا ساخرين: كيف يمكن لرئيس جماعة أدين قضائيًا أن يستمر في تمثيل ساكنة عطشى؟
ربما لأن “العزل” في القانون المغربي لا يشمل فقط الثياب، بل يحتاج إلى إرادة سياسية من نوع نادر.

فإلى أن يُسقى العدل كما سُقيت الممتلكات الفلاحية للرئيس، سيبقى السؤال جارياً مثل الماء:
هل انتهى زمن الارتواء من الحنفية العمومية… وبدأ عصر الحفر الشخصية؟

تنبيه: الصورة تعبيرية ولا علاقة لها ببطل جماعة ترناتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.