رئيس هيئة النزاهة يُحاضر فينا عن الفساد… وكأننا احنا اللي كنديروه!

ضربة قلم

آه سي بنعليلو، يا فارس النزاهة في زمن الشبهات، يا من طلع علينا من منصة البرلمان كمن يكتشف للتو أن الفساد مرض مزمن، لا مجرد زكام موسمي. كأنك لم تكن بيننا، لم تسكن الإدارات، لم تمشِ في أروقة المؤسسات، ولم تصطف ذات يوم في طابور طويل لتصحيح “غلط إداري بسيط” ما كيتصلح غير بـ”تسخينة يد”. فجأة، وقد وضعت قبعة “رئيس الهيئة”، انفتحت لك أبواب الحكمة، وأصبح صوتك يهز أركان القبة، تتكلم عن الثقة وكأنها سلعة فقدناها البارح في السوق.

“باركا من اللاثقة”، قلتها وكأننا نحن من خنّا الثقة، لا منظومة تهترئ يوما بعد يوم أمام أعيننا، من صفقة عمومية تُمنح على طبق من ذهب إلى مشروع يتعثر قبل أن يُولد. وأنت تُحذر من السطحية، وتنبّه إلى أن هناك “غثًّا وسمينًا” في مشاريع القوانين، نذكّرك فقط أن الغثّ، في مغرب اليوم، هو القاعدة، والسمين يحتاج منظارًا دقيقًا وميزانية بحث علمي لاكتشافه.

ثم جئت بالتحذير: “ماشي معايا بدات مكافحة الفساد وماشي معايا غادي تسالي”، وكأنك تقول: “أنا هنا فقط لأُدلي بتصريح أنيق وأغادر، الباقي راه مشي شغلي”. عذرًا، مكافحة الفساد ماشي حصة ديال الفلسفة، ولا نشاط ثقافي نلقي فيه خطبة رنانة ونصفق لأنفسنا بعدها. راه الفساد في المغرب ماشي مجرد ظاهرة، الفساد هنا مؤسسة، شركة مساهمة فيها الإداري والمقاول، والمنتخب، وأحيانًا حتى المواطن اللي ولى كيشوف في الرشوة وسيلة بقاء.

ثم تقول “الفساد تنشئة اجتماعية”! وهل انتبهت لذلك حين كنت تترقى في سلم المسؤوليات، أم حين أُسندت إليك مهمة “النزاهة”؟ الفساد فعلاً موجود في البيوت، لكن بعض البيوت فقط، أما الفساد الحقيقي فهو -وكما تعرف جيدا- في صالونات الكبار، في كواليس الصفقات، في “الكولوار” حيث تمر الحقائب تحت الطاولة، لا في صحن شوربة باردة في بيت مغربي بسيط.

ونختم معك بكلمة “الاستدامة”. جميل أن نحلم بمغرب مستدام، ولكن الأجمل أن نبدأ أولاً بالاستدامة في الشفافية، في المتابعة، في المحاسبة، لا في “الندوات الدراسية” التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. أما مد الجسور، فالمواطن البسيط تعب من عبور تلك الجسور الوهمية التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الوعود… والمزيد من المجهول.

إوا باركا علينا من الكلام المعلب، راه المواطن ما بقا عندو لا ثقة لا صبر، وباغي يشوف شي هيئة فيها النزاهة ماشي غير في الاسم.