مجتمع

رجاءً، لا توقظونا بعد الفضيحة… نحن نائمون منذ قرون!

ضربة قلم

في المغرب، لا نتحرّك إلا بعد أن تُصبح الفضيحة بحجم طاجين محترق في وليمة وطنية! نُحب النوم الطويل، النوم الاستراتيجي، ذلك الذي لا يقطعه إلا إنذارٌ دولي، أو تقرير أوروبي، أو، كما هو الحال اليوم، رشّة خفيفة من فضيحة ثقيلة تُلوّح بشهادات جامعية تباع مثل الخبز الحافي على قارعة التعليم العالي.

ها هو وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، السي عز الدين ميداوي، وقد هبّ من سباته الأكاديمي مدججًا بـ”الاستعجال”، يستدعي العميد محمد بوعزيز، وبعض الطاقم الإداري الذي لا نعرف هل كانوا شهودًا على العصر أم من صنّاعه، من أجل لقاء عاجل بالرباط… لماذا؟ لأن الدنيا قامت ولم تقعد بسبب أستاذ في القانون الخاص – ويا للمفارقة – يُشتبه في بيعه لشواهد ماستر كأنها فاكهة الموسم!

نعم، الأستاذ قليش – لا نعرف هل اسمه صدفة أم نبوءة، لأننا كلنا “نقلّش” في النهاية – متهمٌ بتحويل مسار الجامعة من فضاء للعلم إلى “كشك شهادات”، من يدفع أكثر ينجح، ومن له علاقات أقوى يصبح باحثًا “معتمدًا” في زمن التفاهة المعتمدة.

لكن لنكُن منصفين. ليست هذه أول فضيحة، ولن تكون الأخيرة. الفرق فقط أن الرأي العام هذه المرة كان صاحيًا بما فيه الكفاية ليصيح: “باراكا!”، فاضطر الوزير إلى التحرك. أما الوزارة؟ فهي مثل الحارس الليلي، لا يظهر إلا عندما تُسرق الدار.

والأجمل من هذا كله، أن الوزير قرر فتح تحقيق شخصيًا. شخصيًا؟ واو! بعد سنوات من الشكايات، من التحذيرات، من همسات الطلبة، من رسائل مجهولة المصدر، فجأةً صار لدينا وزير يحمل فأس الحقيقة ويضرب على جذور الفساد الأكاديمي… بعد أن كبرت الشجرة وأثمرت شهادات مزوّرة تُؤهل أصحابها لإدارة الشأن العام أو الترافع أمام القضاء أو ببساطة، ارتكاب المزيد من الكوارث القانونية باسم “ماستر باي قليش”.

يا سادة، هذا ليس مشهدًا من مسلسل رمضاني، هذه خلاصة مؤلمة لسنوات من النوم الإداري، حيث يتم حفظ الملفات في أدراج مريحة، في انتظار أن تبرد حرارة الشكاية، أو أن يُصاب المشتكي بالإحباط ويقرر السفر إلى كندا بحثًا عن وطن لا يبيع فيه الأستاذ النقطة بالدرهم، ولا يطلب فيه شهادة “تزكية” حزبية للولوج إلى سلك الماستر.

أما الطلبة؟ فدعونا نترحم عليهم. طلبة الفصل السادس في القانون الخاص – نعم، القانون الخاص – يعيشون الآن حالة من الرعب الوجودي: ماذا عن الامتحان؟ الأستاذ معتقل! هل سنجتاز الامتحان أم سنُحاسب نحن عن أفعال لا ناقة لنا فيها ولا شهادة؟

والإدارة؟ لا حس، لا خبر. الصمت الرسمي، كالعادة، هو الجواب الأكثر استخدامًا في الجامعات المغربية. فحين تشتعل الفضيحة، نُغلق الأبواب، ونُطبع البيانات “في الطريق”، ونحتمي بـ”اللجان”، وهي في الغالب لجان من الصدأ الإداري، لا تفرز إلا العدم.

ثم هناك البُعد الكوميدي للقضية: تورّط محامين، وموظفين في قطاع العدالة، وأبناء مسؤولين، وزوجة الأستاذ التي هي محامية بدورها. إنها فعلاً شبكة “المافيا الأكاديمية”، منظمة تُحسن السطو على القيم الجامعية أكثر مما تُحسن تدريس القانون الجنائي.

هل تتخيلون حجم المأساة؟ رجل يُدرّس المسطرة الجنائية، ويُمارس المسطرة الحرامية. تلميذه قد يسأله: “سيدي، ما هي شروط الاعتقال الاحتياطي؟” فيرد عليه: “سآتيك بالجواب من قلب التجربة الشخصية!”

والآن، وقد اشتعلت النار في الهشيم، نسمع عن المفتشية العامة، وعن انتقالها إلى الكلية، وكأننا نُرسل فرقة تقصّي الحقائق إلى كهفٍ مظلم اكتشفنا أنه يحتوي على جمجمة التعليم العالي المغربي. ولكن عذرًا، أين كانت هذه المفتشية حين كان الطلبة يشتكون منذ سنوات؟ هل كانت مشغولة بحل جدول الضرب؟

بصراحة، لم يعد الأمر يتعلق بأستاذ متهم فقط، بل بمنظومة كاملة تشتغل على مبدأ: “دبّر راسك، والمهم النتيجة”. منظومة ترى في التعليم سلعة، وفي الأستاذ تاجرًا، وفي الطالب زبونًا مؤقتًا حتى يُصبح شريكًا في “البزنس الأكاديمي”.

أي بلد هذا الذي نحاول إصلاحه بعد كل فضيحة؟ أي جامعة هذه التي لا تتحرك إلا بعد الاعتقال؟ وأي مسؤول هذا الذي لا يرى إلا عندما يُرفع الصوت عاليًا؟

نحن نعيش في مسرح عبثي، لا نُغيّر فيه الديكور إلا بعد أن تنهار الخشبة. نُصوّب بنادق المحاسبة بعد أن نمنح الفاسدين وقتًا كافيًا لحرق كل الأدلة، ثم نكتفي بالبكاء على الماستر المغشوش، والشهادة المشبوهة، والطالب المقهور.

فيا وزارتي الموقرة، ويا جامعاتي العريقة جدًا نظريًا، كفانا ترميمًا بعد الانفجار. ابحثوا عن منظومة فيها كرامة للطالب، ومساءلة للأستاذ، ورقابة حقيقية لا تنام حتى لا يُصبح التعليم العالي “بازارًا قانونيًا” تُباع فيه الأحلام بثمن التزكية.

أما نحن، فسنواصل تقليب المواجع، وننتظر الفضيحة القادمة، لأننا ببساطة… لا نتحرك إلا بعد أن تقع المصيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.