دفاتر قضائية

رقم أخضر ووجه أحمر: سقوط مستشارة في فخ الرشوة بمراكش

ضربة قلم

 في مراكش، المدينة الحمراء التي تأبى أن لا يمر أسبوع دون فضيحة تليق بمقامها السياحي الرفيع، كانت البطولة هذه المرة من نصيب مستشارة جماعية اعتقدت أن “التعمير” لا يكون إلا بجيوب ممتلئة ويد ممدودة. فها هي عناصر الشرطة القضائية تلقي القبض عليها متلبسة بالارتشاء، لتسقط “رئيسة لجنة التعمير” في فخ الرقم الأخضر، هذا الرقم الذي يبدو أنه بات شبحًا يُطارد كل من ظن أن المال السائب يُعلّم الطمع لا الضياع خلف القضبان.

بدأت القصة عندما قررت المستشارة الجماعية، التي تحمل على كتفيها شرف الانتماء إلى حزب الأصالة والمعاصرة، أن تفرض “ضريبة إضافية” على مستثمر أجنبي يرغب في فتح رياض سياحي. ولكن الرجل، الذي يبدو أنه لم يدرس قاموس “العمل السياسي” بالمغرب جيدًا، اختار الطريق الصعب واتصل بالرقم الأخضر المخصص للتبليغ عن الفساد، بدل أن يُنهي “المعاملة” بحفنة من الأوراق النقدية كما جرت العادة.

وبسرعة خاطفة، تحركت السلطات المختصة، وكأنها كانت في انتظار مكالمة تذكرها بأن دورها لا يقتصر على كتابة التقارير بل يشمل أيضًا الإيقاع بالفاسدين. وضُبطت المستشارة في قلب ساحة جامع الفنا، المكان الذي يزخر بالحكايات، لكنها هذه المرة لم تكن واحدة من تلك القصص الفلكلورية، بل قصة حقيقية عنوانها: “حين يتحول المسؤول إلى تاجر فرص”.

بعد إيقافها في حالة تلبس، وجدت المستشارة نفسها فجأة ضيفة على الضابطة القضائية، حيث تمت إحالتها، اليوم الأحد، على وكيل الملك لدى ابتدائية مراكش. وبعد الاستماع إليها، لم يجد القاضي مفرًا من إصدار قرار إيداعها السجن المحلي بلوداية، لتكون عبرة لكل من يعتقد أن الكراسي الانتخابية هي صكوك غفران تتيح لصاحبها التلاعب بحقوق المستثمرين والمواطنين.

والمثير في الأمر أن هذه الحادثة لم تفاجئ الكثيرين، فملفات الفساد في قطاع التعمير باتت تُنافس أفلام “هوليوود” من حيث الإثارة والتشويق، حيث أن الفصل الأول دائمًا يبدأ برشوة صغيرة، ليليه صراع مع القانون، وينتهي المشهد الأخير خلف القضبان، وسط محاولات يائسة للبحث عن كبش فداء أو ثغرة قانونية للنجاة.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: كم من مستشار جماعي آخر لا يزال يتجول بحرية بين المشاريع والاستثمارات، معتقدًا أن “التسهيلات” و”التحفيزات” تمر دائمًا عبر الطاولات الخلفية؟ وكم من مستثمر آخر سيجد نفسه بين خيارين: الدفع أو الانتظار إلى أن يتم اعتقال الفاسد القادم؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.