
ضربة قلم
في مسلسل “كيف نرفع الأسعار دون أن يلاحظ الشعب”، أصدرت المندوبية السامية للتخطيط حلقتها الأخيرة تحت عنوان “التضخم يتمدد”، حيث أعلنت بكل فخر أن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك واصل صعوده المجيد، محققًا ارتفاعًا قدره 2% خلال يناير الماضي مقارنة بنفس الشهر من العام المنصرم. والسبب؟ طبعًا، قفزة مذهلة في أثمان المواد الغذائية بـ3.3%، وكأن الحكومة قررت تحويل موائد المواطنين إلى متاحف أثرية، فيما اكتفت المواد غير الغذائية بارتفاع متواضع لا يتجاوز 1.1%، رحمة بنا!
وكما هو متوقع، فإن مؤشر التضخم الأساسي، ذلك الوحش المخيف الذي تحاول الحكومة ترويضه بشعارات جوفاء، سجل زيادة أخرى بنسبة 2.0% مقارنة بشهر دجنبر 2024، و2.4% مقارنة بيناير 2024. أي أن الأسعار تسير بخطى ثابتة نحو عنان السماء، في حين أن القدرة الشرائية للمواطن تسير نحو باطن الأرض.
أما في تفاصيل هذه “البشرى السارة”، فقد سجلت أسعار المواد غير الغذائية تفاوتًا مثيرًا: النقل مثلاً سجل انخفاضًا بـ2.7%، ربما لأن الناس ببساطة توقفوا عن استخدام وسائل النقل بعدما اكتشفوا أن المشي أكثر جدوى لجيوبهم! بينما قفزت أسعار “السكن والماء والكهرباء والغاز” بـ3.6%، لأن الحكومة على ما يبدو قررت أن السكن اللائق والكهرباء الجارية والماء الصالح للشرب لم تعد من حقوق الإنسان، بل من الكماليات التي يجب أن يدفع ثمنها من يملك “ترف التنفس”.
وبالنسبة لعشاق الأرقام الفلكية، هاكم بعض الأخبار السعيدة: فقد زادت أسعار “السمك وفواكه البحر” بـ6.0%، وكأن المواطن المغربي بات من رواد مطاعم الأكل الفاخر، وارتفعت أسعار “الخضر” بـ4.7%، ربما لأن الجزر والبصل أصبحا رمزين للرفاهية في زمننا هذا، بينما لم تشأ اللحوم أن تتخلف عن الركب، فارتفعت بـ2%، رغم أنها تحولت إلى حلم بعيد المنال للكثيرين. حتى الحليب والجبن والبيض زاد بـ0.6%، لأن الحكومة ربما تعتقد أن المغاربة يعيشون حياة مرفهة مليئة بوجبات الإفطار الفاخرة.
لكن لا تقلقوا! هناك انخفاض عظيم في أسعار “المياه المعدنية والمشروبات المنعشة” بـ0.5%، لأنه من الواضح أن المسؤولين يعتقدون أن الشعب المغربي يروي جوعه بكأس من الماء المنعش بدل الطعام.
أما جغرافياً، فقد ضربت موجة الغلاء بعض المدن بقوة أكبر من غيرها، إذ تصدرت سطات اللائحة بزيادة 1.5%، تليها آسفي بـ1.3%، ثم تطوان وكلميم والحسيمة بـ1.1%، في حين “أكرمت” العيون سكانها بانخفاض طفيف بـ0.5%، ربما لأن الحكومة أدركت أن الغلاء هناك لا يجب أن يتجاوز حدود المنطق، وذلك منذ زمن بعيد.
والآن، بعد كل هذه القفزات البهلوانية في الأسعار، يبقى السؤال المطروح: متى ستقرر الحكومة أن تترك للمواطنين بعض الدراهم في جيوبهم بدل أن تتعامل معهم وكأنهم آلات طبع الأموال؟ لكن مهلاً… ربما في نشرة الشهر المقبل سنكتشف أن حتى الهواء الذي نتنفسه أصبح خاضعًا للضرائب.