مجتمع

زناتة تُسلَب والبيضاء تُباع: صندوق الإيداع والتدبير يُؤمم الأرباح ويُخصخص الأرض في استعمار بربطة عنق

ضربة قلم

آه يا مصطفى الحيا، قلتها بصدق موجع: “نحن مع التنمية، لكن لسنا مع الحكرة”… لكن من يسمعك؟ لقد صرخت في برلمان محلي صُمّت آذانه منذ زمن طويل، ليس لعيبٍ في السمع، بل لأن التعليمات تأتي من فوق، ومن فوق فوق، وأنت تعرف جيدًا أن من فوق لا يحب من تحت أن يرفع رأسه.

الدورة العادية؟ بل دورة الانحناء أمام “السيديجي”، ذاك الصندوق الذي نبتت له أذرع كالأخطبوط، يتملّك الأرض، ويشيد المشاريع، ويربح المليارات… بينما الجماعة، المالكة الأصلية، تكتفي بالتفرّج، بل وتتطوّع بتقديم الأرض مقابل 70 درهمًا للمتر في السنة، أي ما لا يشتري حتى كيلو باذنجان من سوق الجملة الذي نفسه سيتحول إلى ذكرى مؤلمة على شفاه الشيوخ الذين قضوا أعمارهم وهم ينادون “كوزة بريال” و”طماطم يا سلام”.

كيف تقبلون أن تتنازلوا عن سوق الجملة، عن مجازر المدينة، عن أرض أنبتت العرق والعرق الوطني، وتُسلّموها على طبق من قانون لمؤسسة، مهما تكن، فليست إلا ذراعًا مالية مضخّمة لمجموعة صغيرة من المحظوظين؟ ما معنى أن تُمنح الأراضي الجماعية لصندوق يتصرف فيها كما يشاء، بل يُسهّل له حتى اقتناء الأرض؟ أي فُحش هذا؟ كأن “السيديجي” ليس جزءًا من الدولة، بل فوق الدولة، يقرر ويملك ويُؤجّر، ونحن ننظر من بعيد ونصفّق بحسرة.

ويا لوقاحة التبرير: يخرج علينا “الكاتب المسير للجماعة” بوجه مليء باليقين ليقول: هذا “تثمين للممتلكات”! لا يا سيدي، ليس هذا تثمينًا بل تهريبًا ناعمًا للثروة، تهريبٌ قانوني لا يُكتشف إلا حين نجد أنفسنا غرباء في أرضنا، حين تصبح الأرض التي وُرثت عن أجدادنا مُصمّمة لتُؤجَّر لشركات أجنبية تتقن عدّ الأرباح بينما نعدّ نحن خيباتنا.

والأدهى؟ أن الجماعة، صاحبة الأرض، يضيف المستشار الحيا، لا مكان لها على طاولة الأرباح. لا شريك، لا مساهم، لا رأي حتى، فقط كائن تابع ينتظر نهاية الدورة ليوقع، وربما ليصفّق… ثم يعود ليسكب الماء على بطنه، كما قال الرجل بمرارة. وكأن قدر البيضاويين أن يصفقوا لمشاريع لا تعنيهم، على أراضٍ كانت لهم، بأموال تُجنى في غيابهم، وباسم “التنمية”.

يا مصطفى، ستُسجل كلماتك، لكنها ستُسجّل في دفتر المهانة أيضًا، لأننا نشهد زمنًا يُكافَأ فيه من يفرّط في الأرض، ويُسكت من يدافع عنها. مشروع كهذا لا يرقى لأن يُسمى مشروعًا، بل جريمة ناعمة تُمارَس بربطة عنق، وسجلات قانونية، وخطابات تلوّح “بالمصلحة العامة”، بينما لا يجد الناس مصلحة في شيء.

نعم، كما قلت، هذا ليس مشروعًا نفتخر به، بل وصمة عار، وسيُذكر يومًا كما تُذكر خيانات الأوطان: لا بالرصاص، بل بالعقود.

آه نعم، كيف نسينا أن كل هذا العبث يحدث فوق جرحٍ مفتوح لمئات المواطنين الذين نُزعت ملكيتهم في زناتة، لا لشيء، سوى لتُصبح الأرض التي كانت لهم، والتي سقوها بعرقهم، غنيمة تُقدَّم لصندوق الإيداع والتدبير؟ وكأننا عدنا إلى زمن “الحماية”، لكن هذه المرة ليس بجنرال فرنسي، بل بجنرالات محليين يرتدون بدلات أنيقة ويبررون الاستحواذ بكلمات مثل “إيكولوجيا”، “تنمية”، و”مصلحة عامة”، وكلها عبارات تلميع لتغطية نهب جماعي مرخّص له.

نزع ملكية في زناتة؟ نعم، وتم ذلك بطريقة ناعمة خالية من الحياء. أراضي الآباء والأجداد قُدّمت قربانًا لمشروع يدّعي أنه “إيكولوجي”، وكأننا في نسخة مغربية من ديزني لاند الخضراء. مشروع يروّج للفضاءات الخضراء والطاقة الشمسية وركوب الدراجات… بينما أهل الأرض أنفسهم رُكنوا على الهامش، وكأن لا حق لهم في العيش وسط “الطبيعة” التي سُرقت منهم! أيُّ نفاق هذا؟ كأننا أمام استعمار جديد، لا يحمل البنادق، بل يحمل دفاتر عقود وشهادات نزع الملكية باسم “القانون”… قانون يَسحق الناس ويُجمل الجرائم.

نفس الصندوق، نفس العقلية، نفس المستفيدين. زناتة بالأمس، البيضاء اليوم، وغدًا من؟ من قال إن الاستعمار غادر البلاد؟ لقد بدّل فقط زيه العسكري بأزياء تنفيذية، وتحوّل من “المخزن الكولونيالي” إلى “المؤسسات العمومية الربحية” التي تبتلع الأراضي وتحشو أفواهنا بخطابات التنمية.

نعم، صندوق الإيداع والتدبير، الذي أُنشئ ليؤمن مستقبل الأجيال، صار يمتص حاضرها، ويبتلع ماضيها، ويعيد بيعه في شكل “مشروع إيكولوجي” مطليّ بالأكاذيب. والنتيجة؟ مواطنون بلا أرض، ولا نصيب، ولا صوت، ولا حتى كرامة. فقط حفنة من المسؤولين يرددون: “هذا من أجل المصلحة العامة”، بينما يتفرج الشعب على أراضيه تُغتصب في وضح النهار.

هذه ليست مدينة المستقبل… هذه دولة الـVIPات، حيث المواطن مجرد رقم يُنقل من دكان إلى صفيح، ومن حلم إلى خيبة، ويقال له بعدها: اصبر، فالقانون معك… بينما كل ما حوله يثبت أن القانون، للأسف، تم شراؤه هو أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.