مجتمع

زوجة الأب: المأساة الكونية العابرة للقارات

ضربة قلم

في البدء، حين فكر الإنسان في الزواج بأخرى، كان يبحث عن السلام العاطفي والاستقرار الأسري، لكنه سرعان ما اكتشف أنه فتح على نفسه بوابة جحيم مشرعة على مصراعيها. وها نحن اليوم، في القرن الحادي والعشرين، ما زلنا عالقين في متاهة زوجة الأب، تلك الشخصية الأسطورية التي لطالما ألهمت القصص الشعبية، من “سندريلا” الأوروبية إلى “حجايات الجدة” في القرى النائية.

لكن، لنكن موضوعيين – أو ساخرين إن شئنا الدقة – هل كل زوجات الأب متشابهات؟ هل هناك فرق بين زوجة الأب الأوروبية ونسختها الآسيوية أو الإفريقية أو اللاتينية؟ أم أن المسألة برمتها لا علاقة لها بالجغرافيا، بل هي ببساطة معضلة ذكورية لم تجد لها حلًا منذ أن قرر الإنسان العاقل أن الزواج مرتين ذكاء، لا انتحار اجتماعي؟

زوجة الأب في الدول المتقدمة: متحضرة ولكن

في الدول المتقدمة، زوجة الأب تتحدث عن “التواصل العاطفي” و”الإندماج الأسري”، لكنها في الحقيقة لا تطيق أبناء الزوج أكثر من نظيرتها في أي مكان آخر. الفرق الوحيد أنها تمتلك قاموسًا نفسيًا مطولًا يجعلها تبدو وكأنها تحاول إصلاح العلاقة، في حين أن هدفها الأسمى هو ترويض الأب أولًا ثم بقية العائلة. فتراها تسألك ببراءة:
– “كيف تشعر تجاه فكرة أن لدينا الآن عائلة جديدة ومتناغمة؟”
في الواقع، هي لا تهتم كيف تشعر. إنها فقط تهيئك نفسيًا لقبول الأمر الواقع، حيث سيصبح مصروفك الشهري هزيلًا لأن “العائلة الجديدة” تحتاج إلى عطلة في جزر الباهاما.

زوجة الأب في الدول المتخلفة: حكم مطلق بلا نقاش

أما في الدول المتخلفة، فالقضية مختلفة تمامًا. هنا، زوجة الأب لا تؤمن بالمجاملات، ولا تجد أي داعٍ لإخفاء نواياها. منذ اليوم الأول، تدخل البيت بنظرة متمرسة، تلقي نظرة على المطبخ، الخزائن، وربما حسابات الأب البنكية إن تيسّر لها ذلك. بعدها تعلن البيان الأول بانقلاب ناعم:
– “هنا النظام سيتغير.”
وحين تسمع كلمة “نظام” تدرك أن أيامك السعيدة ولّت إلى غير رجعة.

في بعض القرى، زوجة الأب لا تحتاج حتى إلى إعلان نواياها. يكفي أن تكتفي بالنظر شزرًا إلى أبناء الزوج ليعرفوا أن مصيرهم أصبح معلقًا بين التبني القسري عند الجدة أو التحول إلى خدم غير رسميين داخل المنزل.

القارة ليست مهمة، النتيجة واحدة!        

سواء كانت زوجة الأب من قارة باردة أو حارة، من العالم الأول أو العاشر، فإن مصير الأبناء في معظم الحالات واحد: التحول إلى سكان مؤقتين في منزل كانوا يعتبرونه ملكًا لهم. أما الأب، فغالبًا ما يكون آخر من يعلم. ففي اعتقاده، الأمر كله مجرد “مرحلة انتقالية” ستتأقلم معها العائلة، إلى أن يستيقظ ذات صباح ليكتشف أن أولاده انتقلوا للعيش عند الخالة أو تم تهجيرهم إلى سكن داخلي مجهول المعالم.

وفي الختام، زوجة الأب ليست مشكلة قائمة على الجغرافيا بقدر ما هي مزيج معقد من الغيرة والسلطة والصراع على النفوذ. لكنها في الدول المتخلفة تتحول إلى نظام حكم لا يعترف بحقوق المعارضة، بينما في الدول المتقدمة تُغطّى بنفس القواعد الناعمة التي يخفي بها الغرب كل مشاكله: خطاب دافئ، مصطلحات نفسية، لكن النتيجة النهائية واحدة.

استثناءات قليلة… لكنها ممكنة

رغم كل ما سبق، هناك حالات نادرة تكسر القاعدة، وغالبًا ما يكون الفضل فيها للأب نفسه. فحين يكون الرجل واعيًا، قوي الشخصية، ومتمسكًا بأبنائه كتمسك سياسي فاسد بكرسيه، تصبح زوجة الأب مجرد إضافة، لا انقلابًا أسريًا. في هذه الحالات، تتعلم الزوجة الجديدة منذ البداية أن الأطفال ليسوا عقبة، بل جزء لا يتجزأ من الصفقة. هنا، وبشكل شبه إعجازي، يمكن أن تنشأ علاقة متوازنة، حيث تتحول زوجة الأب من “مديرة صارمة” إلى “حليفة محتملة”، ولكن كما يقال… لكل قاعدة شواذ، ولكل منزل معركة خاصة به!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.