مجتمع

ساعة الدولة المباركة… التي تُقرضنا الزمن ثم تسترجعه دون فائدة!

ضربة قلم

ها نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، وهو شهر الرحمة والغفران، لكن الدولة، حفظها الله ورعاها، لا يمكن أن تدعنا نعيش أجواءه دون أن تترك لمستها المعتادة. فكما عوّدتنا كل سنة، قرّرت، جزاها الله خيرًا، أن تمنحنا ساعة من الزمن، ليس ككرم منها، بل كقرض حسن، نعيده فور انتهاء الشهر الفضيل، دون حتى أن نطلب تمديدًا أو إعادة جدولة لهذا الدين الزمني!

لكن، دعونا نكون ممتنين قليلاً! فهذا القرض الزمني لا يأتي بأية فوائد، لا تضخم ولا أسعار خيالية، اللهم إلا بضع اضطرابات في النوم، وشوارع ممتلئة بأشباح بشرية تجرّ أقدامها عند الفجر، وأطفال يُقتلعون من أسرّتهم ليذهبوا إلى المدارس تحت جناح الليل، بعيون نصف مغلقة وعقول لم تستوعب بعد إن كانت هي في الحلم أم في الواقع.

هناك شيء غريب في هذه الساعة العجيبة، كأنها تمتلك ولعًا غريبًا بالظلام، فهي لا تتحرك إلا في عتمة الصباح الباكر، حيث الشوارع بالكاد تستيقظ، وحيث الموظفون والتلاميذ يخرجون من بيوتهم وكأنهم نجوا للتو من زلزال مدمر، يتمايلون بنصف وعيهم، وأيديهم تبحث عن شيء ما في الهواء، ربما عن كوب قهوة لم يُحضر بعد، أو عن سبب منطقي يجعلهم يستيقظون في هذا الوقت غير الآدمي.

أما في المساء، فالقصة مختلفة، حيث الشمس لا تنوي المغادرة إلا بعد انتهاء النشرة الإخبارية، وحيث الإفطار في رمضان يتحول إلى مغامرة لتحديد إن كان الوقت قد حان فعلًا أم أن الشمس ما تزال متشبثة بالسماء، تأبى المغيب احترامًا لقرار الدولة في التحكم في الزمن.

لا أحد ينسى ذلك المشهد العبثي، حين اجتمع أعضاء حكومة “الرأي والرأي الآخر”، حكومة سعد الدين العثماني ذات مساء، وكأنهم أمام قضية أمن قومي، ليقرروا أن بقاء الساعة الإضافية هو ضرورة وطنية، بل مسألة حياة أو موت… ليس لنا نحن، بل للأجانب!

لقد قيل لنا آنذاك، وبكل تحدٍّ، إن الأمر ليس له علاقة برغبة المواطنين، فالدولة لم تعتد الاهتمام بتوافه الأمور مثل صحة الناس أو نومهم، بل لأن “المستثمرين الأجانب” لا يحبّون العبث بالتوقيت! تخيّلوا، هناك أجانب في جهة ما من العالم يراقبوننا عن كثب، قلقين بشأن موعد فتح مكاتبنا، خائفين من أن تتغير عقارب ساعاتهم البيولوجية بسبب قرارنا العشوائي في التحكم في الزمن!

فيا لها من وطنية خارقة، حيث تتحرك الحكومة بكامل أعضائها، وكأنها في حالة طوارئ، لا من أجل تحسين قطاع الصحة، ولا لإنقاذ المدرسة العمومية من الانهيار، ولا لتوفير مناصب شغل للشباب، ولكن… لضبط عقارب الساعة على مزاج الأجانب!

بالطبع، هناك من يحب هذه الساعة، لكنهم قلّة، ويمكن التعرف عليهم بسهولة:

  • المديرون التنفيذيون الذين لا يستيقظون إلا بعد منتصف النهار، ويعتبرون الساعة الإضافية وسيلة لإطالة دوام موظفيهم، دون أن يحتاجوا إلى دفع ساعات إضافية.
  • أصحاب المقاهي والملاهي الليلية، الذين يجدون فيها فرصة ذهبية لإطالة السهرات، ودفع الناس لإنفاق المزيد قبل العودة إلى بيوتهم حيث لا يستطيعون النوم أصلًا.
  • أصحاب القرار الذين يعيشون في أحياء مغلقة، لا يسمعون صوت المنبه في الخامسة صباحًا، ولا يعرفون معاناة من يسيرون في الظلام إلى أعمالهم ومدارسهم.

أما باقي المواطنين؟ فهم مجرد أرقام في معادلة غير مفهومة، مجرّد كائنات بيولوجية لا بد أن تتأقلم مع التوقيت الجديد، رغم أن عقولهم وأجسادهم تصرخ: “دعونا ننام!”.

لنكن واقعيين، هذه ليست مجرد ساعة، إنها رمز للطريقة التي تدار بها أمورنا. الدولة تفرض علينا قرارات غير مفهومة، لأسباب غير مقنعة، وعلينا أن نطيع. ثم عندما تعود الأمور إلى طبيعتها، نشعر وكأننا انتصرنا، بينما الحقيقة أننا مجرد كائنات تدور في دوامة من القرارات العبثية التي لا نهاية لها.

سيعود هذا العقرب المشؤوم، كما يعود كل عام، ليذكّرنا بأننا لا نملك حتى السيطرة على وقتنا. فهل سنواصل الاستسلام، أم أن هناك أملًا في أن نستعيد حقنا في الزمن، وفي الحياة، وفي النوم الهانئ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.