سطات تُنقّب في جراحها الإدارية: إعفاء يفتح أبواب الأمل والحساب

ضربة قلم
لم تمضِ سوى أيام قليلة على تعيين العامل الجديد لإقليم سطات، حتى بدأت الرياح تتغير في عاصمة الشاوية، التي ظلت لسنوات طويلة تئنّ تحت وطأة العبث الإداري والتسيب البيروقراطي. وكأن التاريخ قد قرر أن يعتذر، أو على الأقل، أن يصحّح بعض أخطائه.
ففي خطوة طال انتظارها، وأثارت ارتياحًا لدى العديد من المتابعين المحليين، أقدمت وزارة الداخلية، مشكورة، على إعفاء رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة سطات، الشخصية التي ظلّت لسنوات رمزًا لما يمكن وصفه بـ”النفوذ غير المقيد”، والذي لا يقف عند حدود المهام الإدارية، بل تسلل إلى تفاصيل دقيقة في دواليب العمالة والمقاطعات.
“المقدمون في كل مكان”… والسلطة في خدمة الولاء
الرجل المعفى، حسب شهادات متعددة، كان يحكم الإمارة الصغيرة من داخل العمالة بعقلية “كلّي القدرة”. لم يكتف بتعيين “المقدمين” في مهامهم الأصلية داخل الملحقات الإدارية، بل حولهم إلى أدوات طيّعة داخل كل الأقسام: من مكاتب الوثائق إلى إدارة الموارد، بل حتى قسم الصحافة الذي من المفترض أن يكون مستقلاً ومنفتحًا على الإعلام والرأي العام، تم الزحف عليه بـ”مقدّم” لا علاقة له بالإعلام ولا بحرية التعبير.
وإذا كنت تظن أن هذا هو أقصى العبث، فتريث. فحتى مصوّر العمالة ـ المسؤول عن توثيق تحركات العامل والمناسبات الرسمية ـ لم يكن سوى مقدّم، أو بالأحرى، شخص جرى دمجه في هذا المنصب بطريقة تثير أكثر من علامة استفهام.
“ثمن الوظيفة”… ما بين الرشوة والسكوت الممنهج
الأخطر من ذلك، أن أصواتًا بدأت تتحدث عن ثمن الوظيفة داخل عمالة سطات. فالوظيفة الإدارية التي من المفترض أن تكون تكليفًا وليست تشريفًا، أضحت تُشترى وتُباع كما لو أننا أمام سوق أسبوعي. الأرقام التي يتم تداولها ـ وإن كانت غير رسمية ـ تدور بين 50 و80 ألف درهم، يدفعها طالب “النعمة” كي يتحول إلى موظف داخل العمالة أو إحدى مصالحها، وغالبًا ما يتم “إدماجه” في صفوف المقدمين أولًا، قبل إعادة تدويره حسب الحاجة والمصلحة.
والأدهى، أن بعض هؤلاء الأشخاص كانت لهم سوابق عدلية، وهو ما يطرح تساؤلات كبرى حول من كان يحميهم، ومن كان يمرر ملفاتهم، ومن كان يغض الطرف عن ماضيهم، بل يبرر حاضرهم.
هل نحن أمام تصفية حسابات أم بداية إصلاح؟
من السذاجة أن نعتبر هذا الإعفاء نهاية القصة. ما حدث لا ينبغي أن يُقرأ على أنه مجرد إجراء إداري، بل هو مؤشر على بداية مساءلة حقيقية لكل من استباح مؤسسات الدولة وحوّلها إلى ضيعة خاصة لتوزيع الامتيازات والولاءات.
نعم، كنا من أوائل من نادوا برفع الحيف عن سطات وعن كل الجماعات التابعة لها، وكنا نعلم أن هذا الملف لن يُطوى بسهولة. لذلك فإن تعيين عامل جديد يُنظر إليه اليوم كمفتاح للتغيير، لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن يتحول هذا المفتاح إلى باب مفتوح على المحاسبة، والتدقيق في ملفات التوظيف، والعقوبات التأديبية، والتحقيق في مصادر الثروة لبعض من اغتنوا في زمن الصمت الإداري.
الساكت عن الحق… شريك في الفساد
وحتى لا نُسقط المسؤولية على شخص واحد ونترك بقية الفاعلين يخرجون من الباب الخلفي، يجب أن نطرح السؤال الصعب: من كان يعرف وسكت؟ ومن سهّل الطريق؟ ومن كان يتباهى بعلاقاته مع “المقدم الذي أصبح مديرًا”؟
إن إصلاح الإدارة لا يبدأ من تغيير الأسماء، بل من إعادة الاعتبار إلى الوظيفة العمومية، وإعادة توزيع السلطة بشكل عادل، وإعادة الأمل إلى ساكنة سطات التي سئمت من الشعارات والتعيينات الشكلية.
والأمل كل الأمل، ألا يكون القادم نسخة مكررة عن الماضي، بل قطيعة حقيقية مع زمن “المقدم يتحكم، والمسؤول يتفرج”.