
ضربة قلم
يبدو أن مدينة سطات تعيش تحت مظلة من سوء الطالع، أو ربما الأمر يتجاوز ذلك إلى تركيبة اجتماعية واقتصادية تسمح بازدهار ظواهر لا تمت بصلة للتنمية الحقيقية. الحديث هنا ليس عن البنية التحتية أو غياب المشاريع الكبرى فقط، بل عن تلك الشخصيات الرمادية التي تتغلغل في مختلف القطاعات، تتكاثر كالفطريات في الظل، وتمارس أدوارًا تتجاوز بكثير اختصاصاتها الرسمية.
سطات.. مدينة تحت قبضة النفوذ الخفي
في سطات، هناك شخص لم يعد مجرد موظف إداري يؤدي عمله وفق القانون، بل تحول إلى سمسار من العيار الثقيل، لا يقتصر عمله على الإدارة فحسب، بل تمدد نفوذه ليصبح فاعلًا رئيسيًا في توجيه مسار العديد من القضايا، مستغلًا موقعه لإقامة شبكة معقدة من العلاقات التي تتيح له التدخل في كل صغيرة وكبيرة. لم يعد مجرد مسؤول يؤدي مهامه وفق الضوابط، بل تحول إلى طرف مؤثر في الصفقات العقارية وحل النزاعات بطرق ملتوية، مستفيدًا من اتصالاته الواسعة داخل دوائر التوثيق والهندسة والتخطيط.
في مدينة يُفترض أن تسير وفق القانون والمصلحة العامة، يبرز مثل هذا الدور كدليل على اختلال التوازن بين السلطة والمسؤولية، حيث يصبح النفوذ وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية بدلًا من خدمة الصالح العام. فهل سيظل الوضع على ما هو عليه، أم أن المدينة ستشهد يومًا صحوة تعيد الأمور إلى نصابها.
شبكة معقدة من العلاقات المشبوهة
يتحكم صاحبنا في إيقاع السوق العقارية بالمدينة. لا يمر مشروع كبير أو صفقة عقارية دون أن يكون له نصيب منها، إما كوسيط أو كطرف خفي في العملية. لكن هل يقتصر دوره على هذا فقط؟ لا، بل يبدو أنه بصدد إنشاء “إمبراطورية ظل”، ينقصها فقط كازينو فاخر وغرف سرية لتكتمل الصورة، حيث يمكنه حتى التوسط في لقاءات من نوع آخر، مستغلاً نفوذه لجني الأرباح من كل ما هو ممكن.
هل هو مجرد فرد أم نموذج لظاهرة؟
يبدو أن هذا الشخص لا يملك مبدأ ثابتًا، بل يتشكل وفق المصالح ويتلون حسب الظروف، تمامًا كما تفعل الحرباء حين تتكيف مع بيئتها لتظل غير مكشوفة. تارة يظهر كإداري مسؤول، وتارة كوسيط بارع، وفي أحيان أخرى كمهندس للصفقات المشبوهة، يختفي حين تشتد الأضواء، ويظهر عندما تحين الفرصة لجني المكاسب.
إنه نموذج لأولئك الذين يحولون مناصبهم إلى أدوات للنفوذ، ويتحركون في الظل، لا تحكمهم قواعد سوى مصلحتهم الخاصة. فهل يبقى النفوذ غطاءً يحميه إلى الأبد، أم أن لعبة الأقنعة ستنكشف ذات يوم؟
السؤال الحقيقي هنا ليس عن هوية هذا الشخص الذي يتغير في كل مرحلة، تتغير فيها الاسماء، حيث الأساليب تبقى نفسها. فهل المشكلة في فرد واحد أم في منظومة تسمح لمثل هؤلاء بالتمدد والتوغل داخل مفاصل المدينة؟ إذا كانت سطات “غير محظوظة”، فذلك لأن هناك من يبدد فرصها ويستغل إمكانياتها لمصالح شخصية، دون حسيب أو رقيب.
يبقى الأمل في أن تستفيق المدينة ذات يوم من غفوتها، وأن تستعيد مكانتها بعيدًا عن هؤلاء الذين يستغلون مسؤولياتهم المختلفة وجعلوا من النفوذ تجارة مربحة.