مجتمع

سطات والمناطق المجاورة: حين يُرفع الحيف عن قلب الوطن المنسي

ضربة قلم

رغم موقعها الجغرافي الحيوي وتاريخها العريق ومساهمتها الكبيرة في بناء المغرب الحديث، ظلت مدينة سطات، ومعها المناطق المجاورة كمدينة ابن أحمد، سيدي العايدي، ومناطق البروج وأولاد سعيد وأولاد امراح وغيرها، تشكو من حيف مزمن وتهميش لا يليق بمكانتها الرمزية ولا بطموحات ساكنتها. إقليم كان لزمن طويل مختبَرًا للتحولات السياسية والاجتماعية، ومنبعًا للنخب، وسندًا للسلطة المركزية، لكنها وجدت نفسها في السنوات الأخيرة خارج خارطة الأولويات التنموية، وكأنها أصبحت عبئًا على الأجندات لا جزءًا من الحل.

لقد تعرضت سطات، ومعها كل الحزام الترابي التابع لها، إلى ما يمكن وصفه بالظلم الإداري والجور المجالي. ورغم وفرة الأراضي الخصبة، وتنوع الأنشطة الاقتصادية، ووفرة اليد العاملة، ووجود مؤهلات جامعية كجامعة الحسن الأول، فإن الواقع المعيشي لساكنة المدينة والإقليم يعكس صورة قاتمة: بطالة مستفحلة، خدمات صحية دون المستوى، تراجع في جودة التعليم، بنية تحتية متقادمة، وعزلة نسبية عن المشاريع الكبرى التي استفادت منها جهات ومدن مجاورة.

ولعل التغيير الذي طال الإدارة الإقليمية مؤخرًا يُعد فرصة سانحة لإعادة ترتيب الأوراق، وتصفية تركة من التهميش امتدت لعقود. فالحديث عن تعيين عامل جديد لا يجب أن يظل في خانة التناوب الإداري الشكلي، بل ينبغي أن يتحول إلى لحظة مفصلية، تستدعي مساءلة السياسات السابقة، ووضع خطة متكاملة تنهض بالمنطقة، وتنقذها من حالة الركود والجمود.

إن مدينة سطات اليوم ليست بحاجة إلى مهرجانات موسيقية موسمية تخديرية، ولا إلى مساحيق تجميل ظرفية على بعض شوارعها الرئيسية، بل إلى تصور تنموي عميق يعيد ربط المدينة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي والوطني. فلا يُعقل أن تظل هذه الحاضرة، التي كانت ذات يوم تُلقب بـ”العاصمة الفلاحية للمغرب”، غارقة في الفقر في زمن تتحدث فيه الحكومة عن الجهوية المتقدمة والعدالة المجالية.

المناطق المجاورة لسطات تعيش هي الأخرى على وقع التهميش المركب. فابن أحمد، على سبيل المثال، تبدو وكأنها خارج الزمن: طرق متهالكة، خدمات صحية معدومة، وشباب يعاني من انسداد الأفق. أولاد امراح تعاني من العزلة وغياب وسائل النقل العمومية، بينما لا تزال العديد من الجماعات القروية تُدار بعقلية ما قبل الدولة الحديثة، حيث يستمر الريع الانتخابي في تقويض أي إمكان لتغيير حقيقي.

في ظل هذه الصورة، يصبح من المشروع أن نطرح السؤال المؤلم: من المسؤول عن هذا الظلم؟ هل هو اختلال في السياسات العمومية؟ أم فشل النخب المحلية؟ أم هو مزيج من الاثنين، تضاعف بفعل لامبالاة مركزية تجاه أقاليم الداخل التي لا تصرخ بما يكفي لتُسمع؟

غير أن الأمل لم يُغلق بابه بعد. فالتغيير الإداري الأخير، إن قُرن بإرادة حقيقية من الدولة، يمكن أن يكون بداية لمرحلة جديدة. المطلوب اليوم ليس فقط تغيير الأشخاص، بل تغيير العقلية التي تُدبّر بها شؤون الإقليم، وتكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل أدوات التخطيط التشاركي مع المجتمع المدني والنخب المحلية الجادة. يجب أن يشعر المواطن السطاتي ومعه المواطن المزابي طبعا، أن مؤسسات الدولة موجودة لخدمته، لا لمجرد فرض السلطة عليه.

لقد آن الأوان أن تُعتبر سطات والمناطق المجاورة لها، ليس فقط جزءًا من هذا الوطن، بل قلبًا نابضًا له. أن يُعترف لها بما قدمته من تضحيات، وأن يُعاد لها الاعتبار من خلال تنمية عادلة ومندمجة. فالوطن لا يكتمل من دون إنصاف كل أقاليمه، ولا يتقدم حين تظل بعض أطرافه في الظل.

وفي الأخير، فإن سطات لا تطلب الكثير. كل ما تريده أن يُرفع عنها الحيف، وأن يُنظر إليها لا كمدينة في الهامش، بل كحاضرة تستحق أن تكون في قلب المشروع الوطني التنموي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.