مجتمع

سعد برادة: من “مول الشكولاتة” إلى “مول التربية والرياضة”.. ويا لها من قفزة!

ضربة قلم

إذا كنت تعتقد أن عالم السياسة في المغرب يُدار وفق منطق الكفاءة والاستحقاق، فأنت بحاجة إلى إعادة ضبط مصنع التحليل لديك، لأن الحقيقة تقول غير ذلك. والدليل؟ محمد سعد برادة، الرجل الذي انتقل بسلاسة من إدارة مصنع الشوكولاتة إلى إدارة وزارة التربية الوطنية والرياضة، وكأن التعليم والرياضة مجرد “منتوجات” يمكن تغليفها بورق ذهبي وبيعها في السوق.

لكن القصة ليست في كونه مجرد رجل أعمال ناجح، فالمشكلة الكبرى هي أن الرجل ظهر في أول اختبار علني له وكأنه تلميذ متردد أمام سبورة مليئة بالأسئلة الصعبة. عندما جلس مع مجموعة من الأطفال الصغار ليجيب عن أسئلتهم، اكتشف فجأة أنه بحاجة إلى “مهلة” للتفكير في الأجوبة، وكأننا أمام طالب يطلب تمديدًا لتسليم فرض منزلي متأخر. هل كان السؤال صعبًا إلى هذا الحد؟ أم أن الرجل اعتقد أن الوزارة مجرد مصنع آخر، حيث يمكن تأجيل القرارات كما تؤجل شحنة شوكولاتة في الجمارك؟

في أي دولة طبيعية، عندما يتم تعيين شخص على رأس قطاع حساس مثل التعليم، يكون ذلك بناءً على مؤهلاته التربوية، أو خبرته في التدبير العمومي، أو على الأقل فهمه العميق لطبيعة المشاكل التي يعاني منها القطاع. لكن في المغرب، يبدو أن الوزارة أصبحت مثل “علبة شوكولاتة” تُوزع على الأصدقاء والشركاء دون الحاجة إلى أي مبررات منطقية. سعد برادة لم يكن في يوم من الأيام رجل تربية، ولا خبيرًا في أنظمة التعليم، لكنه وجد نفسه وزيرًا مسؤولًا عن مستقبل ملايين التلاميذ والطلبة، فقط لأنه صديق وفيّ لعزيز أخنوش، الرجل الذي لو كان القرار بيده وحده، لاكتفى بتشكيل حكومة من أصدقائه ومعارفه وانتهى وجع الرأس.

وزير في ورطة: كيف سيقنعنا؟

لنطرح السؤال بصيغة مباشرة: هل يستطيع سعد برادة أن يجلس في اجتماع رسمي مع وزراء التعليم العرب، ويشرح لهم بثقة كيف سيتعامل مع تحديات إصلاح التعليم في المغرب؟ هل يمكن أن يحدثهم بطلاقة عن السياسات التربوية، وعن تكوين الأساتذة، وعن المناهج الدراسية، وعن مستوى الجامعات المغربية؟ أم أنه سيطلب “مهلة” جديدة، كما فعل مع الأطفال، قبل أن يتمتم ببضع جمل غير مترابطة؟

بالطبع، الرجل قد يكون ناجحًا في حياته المهنية، لا جدال في ذلك. لكنه دخل إلى مجال لا يعرف عنه شيئًا، وأمام حقيبة ثقيلة لا يمكن حملها بمجرد امتلاك مصنع شوكولاتة. السياسة التعليمية تحتاج إلى فكر، إلى رؤية، إلى شجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، لا إلى وصفات تسويقية أو استراتيجيات تسعير. التعليم ليس منتجًا يمكن تعديله بزيادة نسبة الكاكاو أو تقليل السكر، بل هو مجال يتطلب عمقًا معرفيًا وإلمامًا بتحدياته المحلية والدولية.

الشكولاتة لا تصلح كمنهاج تعليمي

فلنفترض أن برادة قرر أن “يبدع” في وزارته، فماذا عساه أن يفعل؟ هل سيعتمد على خبرته في الشوكولاتة لتطوير “نظام تحفيزي” للطلاب عبر توزيع ألواح الشوكولاتة للمتفوقين؟ أم سيقرر أن يضع نكهات مختلفة في المقررات الدراسية لتصبح أكثر جاذبية؟ أم أن الأساتذة سيحصلون على رواتبهم على شكل قسائم لشراء منتجات مصنعه؟

هذا الوضع يذكرنا بالكثير من الوزراء الذين دخلوا الحكومة كأنهم يدخلون متجرا فاخرا، حيث تُوزَّع الحقائب وفق منطق الولاءات، وليس وفق منطق الكفاءة. والنتيجة؟ قطاع تعليمي مترنح، إصلاحات متخبطة، ووزير لم يتضح بعد إن كان يستطيع قراءة الواقع التعليمي المغربي بشكل صحيح، أم أنه لا يزال يراجع “دروس الدعم” التي يحتاجها لفهم وزارته الجديدة.

هل كان هناك مرشح أفضل؟

السؤال الذي يطرحه الجميع: ألم يكن هناك شخص أكفأ لهذا المنصب؟ شخص يفهم التحديات، ويملك تجربة في التدبير التربوي؟ هل نفدت الكفاءات في المغرب إلى درجة أننا لجأنا إلى رجل أعمال متخصص في الشوكولاتة لتسيير وزارة التعليم والرياضة؟

الجواب المؤلم هو أن الكفاءات موجودة، لكن القرار ليس بيدها. في المغرب، يتم اختيار الوزراء وفق حسابات أخرى، حيث الولاء قبل الكفاءة، والصداقة قبل المصلحة العامة. لهذا، لا ينبغي أن نتفاجأ عندما نجد أنفسنا أمام مشهد عبثي كهذا: وزير يطلب “مهلة” للإجابة عن أسئلة أطفال، في حين أن مصير أجيال بأكملها بين يديه.

في النهاية، قد يكون سعد برادة رجل أعمال ناجحًا، وقد يكون وفيًا لصديقه أخنوش، لكنه حتى الآن لم يُقنع أحدًا بأنه الرجل المناسب لإدارة قطاع بحجم التعليم والرياضة. وربما، عندما يحين موعد تقييم أدائه، سيطلب منا جميعًا “مهلة” أخرى قبل أن يعترف بأن هذه الحقيبة لم تكن تناسبه أبدًا!

وفي الختام، نحن لا نتعامل مع الرجل بشكل شخصي، بل نتحدث عن منظومة بأكملها تعثرت منذ سنوات طويلة ولا تزال ترفض أن تصلح ما أفسده الدهر. مسؤولية التعليم في هذا البلد لا يمكن أن تكون مجرد “منصب عابر”، بل هي مهمة تاريخية تتطلب رؤية استراتيجية حقيقية وقيادة قادرة على التغيير. ورغم أننا لا نتوجه بأصابع الاتهام مباشرة إلى الأفراد، إلا أن ما نراه هو استمرار لسياسات لا تؤدي إلا إلى تراجع هذه المنظومة، التي تعثرت وما زالت تراوح مكانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.