دفاتر قضائية

سعيدة العمراني: من دعم الفلاحين إلى دعم التقادم

ضربة قلم

ما بين زمنٍ كان الملك الحسن الثاني يئنّ تحت وطأة أزمةٍ اقتصادية وتعصف بها الرياح، فيستنجد بمحارب المال الأوحد عبد الكريم العمراني كي يُعيد الحياة إلى الجسد الجاف للخزينة عبر تسميته وزيرًا أو مديرًا عامًا، وزمنٍ نعيش فيه مسرحية تسقط فيها دعوى عمومية بقضية اختلاس إعانات فلاحية تُقدَّربـ11 مليار سنتيم، تقف صاحبتها العتيدة سعيدة العمراني “مُدرّجة” في خانة الضحايا بحسب القضاء، فإن المفارقة تكاد ترفع الستار عن فرجةٍ سياسية-قضائيةٍ لن يضاهيها إلا ابتسامةٌ متهكمةٌ على مأدبة.(…) لا عناوين فرعية ولا مقدمات مطوّلة، فالقلب يملّ من التقديس الحكومي ويكتفي بالقهقهة ساخراً من كل من يضيع عمره في انتظار عدالةٍ تنطق بالأرقام لا بالأسماء.

حين نتحدث عن عشر سنوات من المتابعة، نحكي قصة العشق بين التأجيل والتقادم، قصة لم يسخّر فيها القضاء سوى آلة الزمن ليزيّن للجمهور سقوط الدعوى بالتقادم وكأنما «الزمان» أقدر على إحقاق الحق من القانون. هنا تتحول المادة 11 مليار سنتيم إلى مجرد رقمٍ يُكرّر طقسه معزوفة الانتصار لصاحبة الجلالة في زمنٍ كانت فيه حفلة تأبين الالتزام الحكومي للفلاحين أكبر من حفل توزيع الجوائز على المتواطئين.

وما أروع مشهد رفض سعيدة العمراني الحضور إلى الفرقة الوطنية، ترفض الوقوف أمام القضاء كما يرفض الفلاح أن يُدسّم بعربةٍ خرّابة لا تطقّ لعدّ الفواتير. تفويض العمال لينوبوا عنها في الجلسات؟ إنها الرقصة الأخيرة على مسرح الفساد، رقصةُ الهروب إلى الأمام وسط بحر من الوثائق المزيفة والفواتير المصوّرة لجرارات لم تُحفر الأرض بفضلها. وكأنّ «وكيل الملك» وجد نفسه في مأزقٍ أخلاقيٍّ بين مطرقة القانون وسندان الزمن، فانحاز لأصوات الترسيم بدل أصوات العدالة.

أما الضحايا الأجانب، فلعلهم يلوذون بالتحكيم الدولي، تلك اللعبة الرائجة لمن لا يريد التعامل مع بطء القضاء الوطني، ويسعى لتدوين حكايةٍ جديدة تُصعّب على سمعة المغرب العريقة عذر الانفلات من المحاسبة. لكن دعنا نبتسم قليلاً: في آخر المطاف، لن يكون هناك خاسرٌ أكبر من ضحايا الفلاحة، ولن يفوز سوى أولئك الذين أفنوا شبابهم في إبهار صانع القرار بكواليس الزجاج والبطولات الوهمية.

إنها دعوةٌ للتأمل في مسرحية فسادٍ تُعرض على مسرح الأيام، بلا بطلٍ يُدان، وبلا خصمٍ يُهزم، بل بضحية وحيدة هي الحقيقة، التي تُلفظ أنفاسها الأخيرة بين سطور ملفاتٍ تُطوى قبل الأوان. فما أطيب أن ننسى، أليس كذلك؟ وتلك هي الحرية الحقيقية: ألا نعبأ بكل من يتعصر عمره في انتظار ردٍّ علينا، لأن القلب، يا صديقي، أوسع من أن يسكنه حقدٌ على مَن لم يتقن الفنّ سوى في تنكّر الحقيقة للخلائق.

وما يزيد الطين بلة أن المتتبعين يذكرون جيدًا ما جرى للملايير الأخرى المتعلقة ببرنامج المخطط الأخضر؛ فنحن نعرف العقوبة الحبسية التي تجرُّ سارقَ “قبطة النعناع” يفتقر إلى مال أو جاه، بينما تُسقط دعوى اختلاس 11 مليار سنتيم بالتقادم وكأن شيئًا لم يكن. في هذه المسرحية العبثية، يُطلق القانون سراحَ المتورطين الكبار ويحبسُ الصغار، فتظهر سخرية الواقع في وضح النهار، حيث تُسمع زغاريد النصر لصاحبة الدعوى المتقادمة، ويُنسى الفلاحُ المسكينُ في مظلمة الظلم والازدواجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.