مجتمع

سقوط عبد الرحيم من الطابق الثاني بالمحمدية… حين يهوي الجسد ويعلو الأمل

ضربة قلم

الواقعة: في صباح يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025، اهتزّ حي الحسنية 1 على وقع حادث مأساوي كاد أن يودي بحياة أحد سكانه، عبد الرحيم، الرجل الخمسيني الذي سقط من نافذة الطابق الثاني من محل سكناه. سقوط مفاجئ، دراماتيكي، هزّ القلوب، لكنه لحسن الحظ لم يخطف الحياة، بل ترك بصيص أمل يَلمع في قلب المحنة.

المعطيات الأولية: حسب ما تم تداوله من مصادر محلية، فإن عبد الرحيم، يُعاني من اضطرابات نفسية مزمنة، وهو ما يرجّح أن يكون الحادث ناجمًا عن نوبة مفاجئة أو فقدان توازن عقلي مؤقت. فور سقوطه، تدخل الجيران بسرعة، وتم استدعاء سيارة الإسعاف التي نقلته إلى مستشفى مولاي عبد الله، قبل أن يتم تحويله إلى مؤسسة طبية أكثر تجهيزًا بالدار البيضاء نظرًا لحالة الإصابة.

البُعد الإنساني: عبد الرحيم هو إنسان عرفه الحي برفعة أخلاقه، رجل بسيط، هادئ، متقن لمهنته كنجّار. ملامح يده المشقّقة تحكي عن سنوات من الكدّ والإبداع في الخشب، وعن صمت طويل حمله بداخله. كان يستقبل الزبائن بابتسامة خجولة، يُتقن العمل كأن الخشب رفيق عمره، وكأن المطرقة تهمس له بدلاً من أن تصرخ.

الاضطراب النفسي والوصمة: الحديث عن “اضطرابات نفسية” يجب ألا يُفهم كعبارة تقنية فقط، بل هو باب يفتح على معاناة خفية يعيشها الكثيرون بصمت. عبد الرحيم، رغم ما عاناه داخليًا، لم يكن عبئًا على محيطه. لكن السؤال العميق هنا: هل كان هناك من يستمع إليه؟ هل تلقّى ما يكفي من الدعم النفسي والاجتماعي؟ أم أن الوحدة كانت أقرب إليه من أي إنسان؟

العزوبية والعزلة: أن يعيش الرجل أعزبًا في عمر تجاوز الخمسين ليس فقط حالة مدنية، بل قد يكون انعكاسًا لمسار من القرارات، أو ببساطة مسار من الإقصاء الذاتي أو المجتمعي. فالعزلة، في هذه السن، تصبح بيئة خصبة لتفاقم الاضطرابات النفسية، خصوصًا عندما تتقاطع مع هشاشة الوضع الاجتماعي أو غياب شبكة دعم حقيقية.

نظرة المجتمع: غالبًا ما ينظر المجتمع إلى من يعانون من اضطرابات نفسية بنوع من الحذر أو التهميش، وهو ما يزيد من معاناة الشخص. رغم أن عبد الرحيم كان محط تقدير من محيطه المهني، إلا أن الدعم النفسي المتخصص كان غائبًا، كما في كثير من الحالات بالمجتمع المغربي، حيث يبقى الحديث عن الصحة النفسية أمرًا مُحرّجًا أو مسكوتًا عنه.

النجاة المعجزة: أن ينجو عبد الرحيم من السقوط دون أن يفقد حياته هو في حد ذاته رسالة. رسالة تقول بأن هذا الرجل يستحق فرصة أخرى، وأن الحياة ما زالت تمنحه خيطًا رفيعًا من الأمل. لكنه أيضًا اختبار لمحيطه، لمؤسسات الرعاية، وللمجتمع: هل سنتركه يعود إلى نفس العزلة بعد تعافيه؟ أم أن هذه الحادثة ستكون شرارة تدخل جاد وحقيقي لتحسين أوضاعه؟

خاتمة إنسانية: في النهاية، سقوط عبد الرحيم ليس فقط حادثًا عابرًا في صفحة أخبار محلية، بل مرآة لمجتمع بأكمله. مرآة لمدى اهتمامنا بالفئات الهشّة، للعلاقة بين الصحة النفسية والبنية الاجتماعية، ولحجم الدعم الذي نقدمه لأشخاص يعيشون بيننا دون أن نلاحظ وجعهم. عبد الرحيم ما يزال حيًّا، وهذا وحده سبب كافٍ لننظر إليه من جديد، لا كرجل سقط، بل كروح تنتظر أن تُحتضن من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.