مجتمع

سوق الجملة بين “الترقيع الهندسي” و”الكمّاشة الإدارية”: حين تتحول الصيانة إلى مسرحية بدون جمهور

ضربة قلم

في مدينة تُنفق الملايين على “مجسمات ثلاثية الأبعاد” و”استراتيجيات ذكية” و”شراكات من أجل التنمية”، هناك سوق جملة يموت ببطء… لا بسبب الغلاء، بل بسبب ثقوب في السقف، صدأ في الحديد، وبلاستيك مثقوب يصرخ: “أنا هنا منذ 2016، هل من مُنقذ؟”.

فها هو المكتب المحلي لتجار ومهنيي وعمال سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء، وقد ملّ من “الدق على خزنة” المؤسسات، يوجه رسالة نارية – أو لنقل رسالة بها من المرارة ما يكفي لفقس سطل من الطماطم – إلى عامل عمالة مقاطعات مولاي رشيد، يطالب فيها بفتح تحقيق مستعجل حول ما وُصف بـ”سوء تدبير شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للخدمات”.

الموضوع؟ القاعة المغطاة التابعة للسوق، والتي يبدو أنها “مغطاة” بالمتاعب فقط.
فلا صيانة، لا ترميم حقيقي، لا أدنى احترام لمعايير السلامة… بل مجرد ترقيعات تصلح ربما لخيمة موسم، لا لمرفق يُفترض أن يُستعمل يوميًا من قبل آلاف البشر، ممن يعانون من تسرب الماء، وانهيار الجدران، وأسطح تشكو أكثر من المواطنين أنفسهم!

الشركة المعنية، “الدار البيضاء للخدمات”، حصلت على هذا الامتياز منذ 2016، ويفترض أنها أنهت الأشغال في 2019 (نعم، قرأنا التاريخ أكثر من مرة!)… لكن من يزور المكان يعتقد أن الأشغال بدأت للتو… في العصور الوسطى.

ويا لكرم جماعة الدار البيضاء، فقد وقّعت ملحقًا تعديليًا في 2020، ثم آخر في 2022، وكأنها تقول للشركة: خذوا ما شئتم من المال، فقط لا تصلحوا شيئًا!.

أما عن ما يُنجز، فالنقابة تُخبرنا أنها مجرد “حواجز حديدية” هنا، و”ترقيع بلاستيكي” هناك… بينما السقف ينزف صدأ، والخرسانة تتفتت، وكأننا في فيلم وثائقي عن أطلال الحضارات المنسية.
فهل كنا ننتظر زلزالا كي نكتشف أن الحديد قد تآكل؟ أم ننتظر موسمًا آخر من الأمطار حتى ينهار السقف على رؤوس من فيه؟ الله أعلم، وشركة “الخدمات” أدرى!

ولا يتوقف الإهمال عند حدود الهندسة والخرسانة، بل يمتد إلى التنظيم العام، حيث انتشرت الأكشاك والخيام البلاستيكية كأننا في مهرجان فوضوي دائم، لا قواعد، لا مسارات واضحة، فقط عبث بصيغة جماعية.

والأدهى أن كل هذا يحدث وسط صمت رسمي مهيب… وكأننا نعيش داخل جمهورية سوق الجملة المستقلة، لها أعرافها الخاصة، وشركاتها التي لا تُحاسب، وصفقاتها التي تُمرّر بلمحة عين.

النقابة، بعد أن جفّ حبر الشكاوى، طالبت بفتح تحقيق شامل… ولا نعلم ما إذا كانت تقصد تحقيقًا إداريًا، أم نبوءة على غرار “فتح الأندلس”! فقد تعب المهنيون من مسرحية الترميمات “السطحية”، وملّوا من “الحلول الكارطونية”، ويريدون صيانة حقيقية، تقوم بها عقول هندسية لا أيادي مرتعشة ترتجف عند ذكر دفتر التحملات.

وقد وُجهت نسخ من هذه الرسالة إلى والي الجهة ورئيسة المجلس الجماعي، في محاولة من النقابة للقول: نحن لم نعد نكتب للتاريخ، بل نكتب لإنقاذ الأرواح.

ويبقى السؤال الساخر-الجاد: هل ستُحرك هذه الرسالة الجرّار الإداري المعطوب؟ أم أن السوق سيبقى مثل تمثال مكسور في ساحة منسية… تلتف حوله الخيام، ويقرف منه المهنيون، وتربح من ورائه شركات لا تعرف معنى كلمة “خدمة”؟

الجواب في الموسم القادم من “سوق الجملة… من الخرسانة إلى الكارثة!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.