مجتمع

سوق الجملة… حيثُ الخضر تُباعُ بالقانون، والفساد يُوزَّع بالمجان!

ضربة قلم

وسط ضجيج العربات المحملة بالبصل والطماطم، وفي أروقة سوق الجملة بالدار البيضاء، لا تُسمع فقط صرخات التجار والمستهلكين، بل أيضًا ضحكات صامتة لأصحاب النفوذ، أولئك الذين يُديرون اللعبة من وراء الستار. هنا، لا تُباع الخضر والفواكه فحسب، بل تُسعَّر “الحظوظ”، وتُقسَّم “الكعكة”، وتُحدد “الصفقات”، بينما يُترك المواطن ليشتري الغلاء مغلفًا في أكياس بلاستيكية مهترئة.

على الورق، السوق يخضع لقانون العرض والطلب، لكن في الواقع، الأسعار تُطبخ في “كوزينة الفساد”، حيث الطماطم قد تصبح بـ20 درهمًا إن أراد “الكبار”، والخيار قد يتحول إلى سلعة نادرة إذا استدعت “المصلحة”. لجنة الأسعار؟ مجرد ديكور! هنا، اليد الخفية التي تحكم السوق ليست يد آدم سميث، بل يدٌ تعرف جيدًا كيف تُحرك “البزنس … لجيوبها طبعًا، وليس لصالح التجار أو المستهلكين. فالخسارة دائماً مقسمة على “الضعفاء”، بينما الأرباح تتكدس في جيوب أصحاب النفوذ، هؤلاء الذين لا يُدفعون عند الميزان، بل يزنون السوق كله لصالحهم.

التقرير الذي “غسل السوق” ولم يُنظفه!

عندما قرّر مجلس جماعة الدار البيضاء إعداد تقريره الأخير، توقع التجار أن يكون فرصة لكشف المستور وفضح التجاوزات، لكنهم تفاجؤوا بتقرير لا يختلف كثيرًا عن “تقرير الأحوال الجوية في يوم مُشمس”، أي حديثٌ كثير، لكن لا أثر فعليًا لتغييرات على الأرض.

التقرير “تبخر” بسرعة، لم يذكر مسألة “الإتاوات غير المشروعة”، لم يتحدث عن كيف أن بعض التجار يحصلون على تخفيضات في الرسوم، بينما الآخرون يُجبَرون على الدفع كاملاً، ولم يقترب حتى من ذكر أولئك الذين حولوا السوق إلى مملكة خاصة لهم، يتحكمون في الأسعار كما يشاؤون، ويقررون من يبيع ومن يُفلس.

لكن القنبلة الحقيقية كانت تصنيف التجار المحتجين بأنهم “غرباء” عن السوق! بالله عليكم، هل أصبح من يكدح كل يوم، ويستيقظ في عز البرد لجلب السلع، “غريبًا”؟ بينما “المحظوظون” الذين لم تطأ أقدامهم الوحل، هم من يُقررون من يستحق البيع ومن يُقصى؟

الميزان المائل: الدفع لمن يدفع أكثر!

إذا كنت تظن أن الميزان في سوق الجملة يُستخدم فقط لوزن الطماطم والبصل، فأنت واهم! الميزان الحقيقي هنا يُستخدم لوزن النفوذ، وكلما كانت جيبك أثقل بالإكراميات، كلما مالت الكفة لصالحك.

تجار صغار يُحاصرون برسوم باهظة، بينما كبار السوق “معفيون بطرق غير قانونية”. والمضحك المبكي أن التقرير نسي الإشارة إلى “المداخيل الخفية” التي يتم تحصيلها من استغلال الملك العمومي والممرات داخل السوق، حيث يدفع التجار والفلاحون مبالغ غير مفهومة مقابل استعمال الموازين، والتي من يُشرف عليها؟ مستشار جماعي، طبعًا!

الحلقة المفرغة: فساد يعيد إنتاج نفسه!

هكذا يستمر المشهد:
تجار يصرخون، لكن لا أحد يسمع.
تقارير تُنجز، لكن لا شيء يتغير.
أسعار ترتفع، لكن الأرباح تذهب لنفس الجيوب.

أما المواطن البسيط، فهو آخر من يعلم، بل هو آخر من يهتم به أحد. فما يهم في النهاية هو أن تستمر اللعبة، أن يبقى السوق مفتوحًا، والموازين مائلة، واللوبيات متحكمة… حتى إشعار آخر!

ويبقى السؤال: هل يحتاج سوق الجملة إلى تقرير جديد، أم يحتاج إلى “تنظيف شامل” بمبيد لا يُباع في السوق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.