مجتمع

سيارات الإسعاف بين قانون السير وقانون السرعة: مريض على عجل… أو سائق فايق بزاف!

ضربة قلم

مما يُثير فعلا عاصفة من الضحك الممتزج بالحزن، أن سائقي سيارات الإسعاف عندنا، بحكم العِشرة الطويلة مع  la sirène، لم يعودوا يفرّقون بين نقل مريض يحتضر ونقلهم لولدهم إلى الحلاق أو عودتهم من السوق بكيلو بطاطا! السرعة أصبحت جزءًا من شخصيتهم، المنبه الصوتي امتدادا لحنجرتهم، ومفهوم “الطوارئ” لا يحتاج إلى طارئ. “أنا سائق إسعاف، إذن أنا أسرع من الصوت، وأولوية المرور حقي الطبيعي في كل زمان ومكان”. بل في بعض الأحيان، يُخيل إليك أن المريض هو من يركض وراء السيارة، وليس بداخلها!

لكن مهلاً… ها هي الرادارات تدخل على الخط، تسجل المخالفات، وتنبههم: “راك غادي بحال اللي كتنقل اللهطة، ماشي كتنقل مريض!”. فينتفض السائقون، تصدر النقابة بياناتها، وتكتب الرسائل وكأننا أمام جريمة أخلاقية لا قانونية، ويبدأ العزف الجماعي على نغمة “العمل الإنساني”. وكأن القانون عدو للرحمة، وكأن احترام السرعة المحددة خيانة لمهنة تنقل بين الحياة والموت.

لنكن صرحاء للحظة: هل نحن أمام إسعاف، أم أمام “تيرميناتور على أربع عجلات”؟ هل كل هذه السرعة دائمًا مبررة؟ ألا يُمكن أحيانًا أن يكون السائق عائدًا من قهوة شعبية، ويقرر أن يعود إلى المقر “بطُرّة” لأنه، ببساطة، متعوّد؟ ثم أين كانت  la sirène لما دهسوا بعض المارة في وضح النهار وهم “فراگين” الطريق؟ أين كانت هذه الروح الإنسانية لما خرج السائق من سيارة الإسعاف ليتشاجر مع صاحب دراجة لأنه “زاغ عليه شوية”؟ الإنسان أحيانًا ينسى أنه ينقل كائنا بشريا وليس “صندوقا بريديا مستعجلا”!

ثم دعونا نتحدث عن النقابة التي ترى أن المخالفات تهدد حياة المواطنين، لا السرعة. وأن احترام القانون قد يُفضي إلى “زهق الأرواح”، وكأن السائق المسعف مطالب بالاختيار: إما أن ينقذ المريض أو يحترم القانون! وكأن قانون السير اختُرع لإعاقتهم وليس لتنظيم المرور. والحل المقترح؟ بطاقة مهنية سحرية تتيح لهم الدوس على دواسة البنزين حتى يتفوقوا على الطائرات، مع إعفاء شامل من كل المخالفات، حتى وإن استعملوا la sirène في عرس ابن خالتهم.

الطريف في الأمر أن بعضهم يهدد بـ”الالتزام الحرفي بالسرعة القانونية”، وكأنها عقوبة ضد الدولة، لا التزام قانوني. تخيل معي سائق إسعاف غاضب يقرر أن يقود بسرعة 40 كلم في الساعة، وهو يتذمر: “ها أنا ملتزم، شوفو شحال من روح غادي تزهق بسبابكم”! بدل أن يتذمر من القانون، ربما عليه أن يتذمر من واقع قطاعه الذي لم يتم تقنينه بجدية، من غياب التكوين الجاد، ومن وجود “جيش” من سائقي سيارات الإسعاف بدون تكوين طبي ولا وعي مروري، بل أحيانًا بدون ترخيص واضح.

الضحك يبلغ ذروته حين تطالب النقابة بـ”دورية ثلاثية” بين الداخلية، النقل، والصحة. تخيل لو أن كل مهنة تطالب بدوريات خاصة بها للإفلات من القانون؟ طباخ يطالب بالإفلات من مراقبة السلامة الغذائية، لأنه “يشتغل من أجل إطعام الناس”، أو سباح إنقاذ يطالب بإعفائه من قانون التلوث لأنه “يقفز في المجاري لإنقاذ الأطفال”!

الواقع أن سيارات الإسعاف يجب أن تكون استثناءً من القاعدة فقط في حالات الطوارئ الحقيقية، ووفق شروط صارمة. لا يمكن تحويل الاستثناء إلى قاعدة، ولا يمكن الاستمرار في خلط الإنسانية بالفوضى. والبطاقة المهنية، إن وُجدت، ينبغي أن تكون تكليفا لا تسليكا، وتكوينا لا تفويضا مفتوحًا لتجاوز كل القوانين.

خلاصة القول: “الإنسانية” ليست ورقة يرفعها السائق في وجه الشرطي كلما تم تسجيل مخالفة، بل هي الالتزام بالقانون حين لا تكون حياةٌ في خطر، والتصرف المهني حين تكون الأرواح على المحك. أما أن تقود سيارة إسعاف وكأنك تطارد جائزة الفورمولا 1، فتلك حكاية أخرى… تصلح لفيلم كوميدي بعنوان: “الإسعاف… في مهمة عاجلة إلى السوق الأسبوعي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.