هشام آيت منة… من “كحلها” في المحمدية إلى تلميع الحذاء الأحمر في الدار البيضاء!

ضربة قلم
لا شيء يُحرك الذاكرة الكروية المغربية مثل ملعب البشير… ذاك المستطيل الذي يحتضن أحلامًا قديمة، بعضها مات واقفًا، وبعضها الآخر لم يولد أصلًا. والآن، بمناسبة كأس إفريقيا للناشئين تحت 17 سنة، ها هو الملعب يخرج من عزلته الكئيبة ليُصبح فجأة واجهةً إفريقية مزوّقة، تُبث منها مباريات المنتخب المغربي وسط تصفيقات من عُشاق لم يعرفوا يومًا لا البشير ولا شباب المحمدية، ولا حتى معنى أن تكون محبًا لفريقٍ ينام كل موسم على “ربع نهضة” ويستيقظ على كابوس اسمه الهبوط.
أول ما يلفت الانتباه، هو ذاك الطمس الإبداعي لعبارة “ديما شباب” وشعار الطموح المُعلّق على الجدار وكأنه وصية لم تُقرأ، أو إعلان تجاري فاته القطار. كل شيء أُخفي بعناية كأنّ ما حدث لفريق شباب المحمدية عارٌ لا بد من طمسه كي لا تُفسد صورة التنظيم أمام الكاف وأمام عدسات البث المباشر. شعار الطموح؟ ذهب في مهب الريح.
الحديث عن طموح في ملعبٍ يحتضن فريقًا أنهى موسمه بأربع نقاط؟ أربع! لا خمسة، لا ستة، أربع! كأنما جمعوا نقطة عن كل ربع نهائي ما حضروهش، أو عن كل شوط لعبوه بنصف نية. واللي زاد الطين بلّة أن سكان المحمدية وجمهورها ماشي غير عارفين النتيجة، بل عارفين بكل صدق من “كحلها“ ومن كان السبب المباشر في هاد السقوط المدوي. ماشي غافلين، وماشي مفاجئين، لأن السقوط كان متوقّع ومرسوم بحسابات يعرفها الجميع، من مدرجات البشير حتى المقاهي اللي دابا ولات كتبدّل القناة كلما جا وقت مباراة الشباب. كأس الناشئين يجمّل ملعب البشير… و”ديما شباب” تُخفى كما يُخفى الخجل في زمن الهبوط
أما “ديما شباب”، فهي عبارة أشبه بندبة في جبين مدينة. عبارة كانت ترفرف يومًا كراية تُلهم، والآن صارت مثل صورة قديمة في محفظة متشققة، تحتفظ بها الأجيال فقط لتتذكّر أن الفريق مات ميتة بطيئة، بفضيحة رياضية لم تعد حتى محط استغراب. لا أحد في المحمدية تفاجأ حين ودّع الفريق قسم الصفوة، لأن الجميع كان يرى السقوط قادمًا منذ أول نُسخة من معاناة لا تُروى. الجمهور؟ هو الآخر كفّ عن الأمل، وصار يحفظ سيناريو الهبوط كما يُحفظ نشيد وطني.
الملعب نفسه، الذي يحمل اسم الراحل البشير، كان يجب أن يُسمّى “ملعب الدموع الجافة”، حيث لا تجد في المدرجات سوى تعابير وجهٍ قانطة، تُصفق أحيانًا بدافع الواجب الوطني أو حب القميص، لكن دون أن تُخفي خيبتها المتجذرة. والبشير، لمن لا يعرفه، لم يكن مجرد اسم؛ كان رمزًا لفريق حمل ذات يوم كرامته على أقدامه، وليس عبر بلاغات سوشيال ميديا تتحدث عن “نقاط إيجابية” بعد الهزائم الثقيلة.
اليوم، الملعب مزين، الصوت نقي، الأعلام ترفرف، والكاميرات ترصد الوجوه الباسمة. أما الحقيقة؟ فقد طُمست بالبنر الذي غطى “ديما شباب”. فقط في المغرب، نغطي الفشل بقماش، ونُعيد طلاء الخيبة لنُقدّمها للعالم في عُلب براقة.
تحيا الكرة، ويحيا الشعار… حين يكون حقيقيًا.