رياضةسياسة

شباب المحمدية: فريق بـ4 نقاط و100 مرتزق عند حافة المحطة!

ضربة قلم

في بلاد تُؤسس فيها الأحزاب ببلاغ، وتُصنّف فيها الفرق الرياضية على مقياس الولاء لا الأداء، يأتي مشهد فريق شباب المحمدية هذا الموسم كمن يُلقي بنفسه من الطابق العاشر، ثم يتفاجأ بأنه أصيب بكسور… لا بالوفاة، لأن “الأمل ما زال قائماً” على ما يبدو عند البعض، خصوصاً ممن يرون في الفريق بوابة نحو قبة البرلمان أكثر من كونه مؤسسة رياضية تُعنى بتكوين الشباب وتحقيق مجد كروي.

أربعة نقاط يا سادة. أربعة! هذه ليست حصيلة فريق عانى من سوء الطالع أو التحكيم الجائر، بل حصيلة “مشروع فاشل” بكل ما تحمله الكلمة من فشل. أربعة نقط تكفي بالكاد لشراء رصيف في البطولة الوطنية، أو لنقل لشراء سطر إعلاني في موقع رياضي، لكنها لا تكفي أبداً لإقناع طفل في حي شعبي بأن فريق مدينته يستحق الولاء. لقد اجتهد المكتب المسير، نعم… لكنه اجتهد في الهروب من المسؤولية، في قتل الأمل على مراحل، وفي تسويق الوهم على شكل بلاغات وصور جماعية “بملامح الانتصار الافتراضي”.

وحين نبحث عن أسباب هذه الكارثة، لا نحتاج إلى خبير رياضي أو محلل تكتيكي، بل نحتاج فقط إلى مرآة. فالفريق لم يسقط فجأة، بل انزلق رويداً رويداً، والكل كان يُصفّق أثناء السقوط، كأنهم يشاهدون عرضاً بهلوانياً لا سقوط نادٍ له تاريخ. الانحدار كان مقصوداً، مدروساً، وربما مُهيكلاً. وكما يُسقط البعض خصماً سياسياً بهدوء في المعارك الانتخابية، أُسقط الفريق من القسم الاحترافي بنفس الطريقة: قتل بطيء تحت لافتة “نحن هنا لخدمة الفريق”.

الحديث عن “عودة حليمة إلى عادتها القديمة” ليس مجازاً هذه المرة، بل واقع متجدد بحلّة باهتة. حليمة هنا ليست مجرد اسم تقليدي، بل حالة سياسية رياضية هجينة، لا ترى في الفريق سوى أداة، و”قميص النادي” سوى قنطرة نحو رئاسة المجلس، و”الجمهور” سوى ناخب محتمل في اقتراع قريب. هكذا تُدار الأندية حين تتحول إلى دكاكين انتخابية: اللاعب يُعامل كعامل موسمي، والمكتب يُدار بعقلية صاحب المقهى، والإعلام المحلي يُشترى بكسكروت ومصاريف النقل مقابل أن “يهلل ويبخر” في منشورات مُملة وركيكة.

ولأن المسرحية لا تكتمل دون مهرّجين، أُطلقت كتائب إلكترونية ومرتزقة مأجورين، يُهلّلون لعودة “المنقذ المنتظر” ويهاجمون كل من تسوّل له نفسه المطالبة بالمحاسبة. بعض هؤلاء كتبوا تدوينات عن “مشروع إعادة بناء الفريق”، وكأن شباب المحمدية ليس فريقاً لكرة القدم، بل بناية منهارة في أحد الأحياء العشوائية تنتظر تدخل الوكالة الحضرية.

أما الجمهور، جمهور المدينة الحقيقي، فلا يُمكن خداعه. هذا جمهور شاف وذاق. جمهور يعرف كيف حُمِل الفريق على أكتاف الجماهير ذات يوم، ويعرف أيضاً من خان الوعود، وباع الطموح، وهرّب اللاعبين، وترك “الماكينة” الرياضية تتعطل بينما هو يركب سيارات فارهة ويلتقط صوراً في الملتقيات. لا أحد ينسى كيف صعد هشام أيت مانة على أكتاف الفريق إلى البرلمان، ثم انقلب على الفريق، كما ينقلب مسؤول على شعبه بعد الانتخابات، تاركاً النادي في مهب الريح واللاعبين في مهب الحاجة.

باختصار، شباب المحمدية اليوم لا يحتاج إلى “بروفايلات سياسية” جديدة تنزل من الداخل أو الخارج بالمظلة، ولا إلى مشاريع وهمية تُكتب بالحبر الانتخابي، بل يحتاج إلى غربلة شاملة، إلى وجوه لا تطمح إلى النيابة، بل تطمح إلى صناعة فريق محترم. يحتاج إلى إدارة تعرف الفرق بين الكرة والصوت الانتخابي، بين الشغف والحسابات الضيقة. شباب المحمدية لا يجب أن يكون محطة وقود مؤقتة في طريق السياسيين نحو المناصب، بل يجب أن يكون هدفاً في ذاته، بمشروع واضح، ورؤية رياضية حقيقية، ودعم جماهيري لا تُلوّثه الفُتات السياسية.

أما من يعتقد أن الجماهير ستنسى، أو تُخدَع مرة أخرى بـ”البالونات الهوائية” وبلاغات التهييج، فليعد قراءة تاريخ الفريق، وليفهم أن المحمدية مدينة ذاكرة، لا مدينة ذاكرة السمك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.