رياضة

شباب المحمدية لم يسقط… بل أسقطه من باع الفريق في منتصف الطريق

ضربة قلم

المحمدية، المدينة التي طالما تباهت بلقب “مدينة الزهور”، أصبحت اليوم تذبل على مرأى ومسمع الجميع، وكأن أحدهم قرر أن يسقيها بالملح بدل الماء. لم تعد الزهور تفوح، بل صارت تئنّ من الإهمال، وتذبل من فرط ما لُفّت به من تجاهل رسمي وشبه رسمي. أما شباب المحمدية، الفريق الذي كان يوماً مفخرة المدينة، فقد أصبح مجرد ذكرى في دفاتر العشاق، الذين لازالوا يحتفظون بصور لاعبين سابقين في محفظات مهترئة، كما يحتفظ الجد بصور شبابه وسط صندوق خشبي قديم، لا يفتحه إلا في لحظات الحنين.

أن يسقط شباب المحمدية إلى القسم الثاني ليس فقط سقوطاً رياضياً؛ إنه سقوط رمزي لمدينة بأكملها، تشبه سفينة كانت تبحر ببطء في بحر المشاكل، حتى قرر ربانها القفز منها قبل أن تغرق، وترك الركاب يواجهون الأمواج وحدهم. من كان يظن أن الفريق الذي أنجب نجوم الكرة، وساهم في إشعاع الكرة المغربية، سيتحول إلى “محطة عبور” للاعبين لا يجدون حتى مكاناً دافئاً في فرق أخرى؟ فريق أصبح مثل المطعم المجاني: تفضّل، خذ ما تشاء، لا داعي للدفع، الأبواب مفتوحة، والكرم ليس من شيمنا بل من مصائبنا.

وما يثير السخرية أكثر من الحزن هو تلك التصريحات التي تخرج من بعض المسؤولين، والتي تذكّرنا بخطابات الانتصار في زمن الهزيمة. يقولون لك: “المشروع الرياضي مستمر”، وكأننا نتحدث عن بناء محطة نووية، لا عن فريق كرة قدم كان بالأمس يتغنى به الكبار والصغار. ويقول آخر: “المهم أننا ضمنّا الاستمرارية”، في حين أن الاستمرارية الوحيدة التي نراها هي في التدهور واللامبالاة، وربما في توزيع الميكروفونات خلال الندوات الصحفية.

ثم يأتيك ذاك “المستفيد الكبير”، الذي دخل إلى القصة كمنقذ وخرج منها كما يخرج لص محترف من بنك: بلا بصمات، بلا أثر، وبجيب ممتلئ بما تيسّر من “النيات الحسنة”. ظهره للفريق لم يكن صدفة، بل كان مخططاً بإتقان، كأن أحدهم همس في أذنه: “ادخل، خذ ما استطعت، ثم انسحب قبل أن ينهار السقف”. وها هو السقف قد انهار، لكنه انهار فقط على رؤوس الجمهور المخلص، أولئك الذين يتقنون الهتاف من القلب، ويشترون التذاكر من أموال المقاهي والمواصلات، ولا يسألون عن المقابل.

الجمهور، هؤلاء المساكين الذين يحملون على أكتافهم ذكرى المجد، ويحاولون جاهدين أن ينفخوا في رماد الفريق أملاً في اشتعال جديد، لكن كيف تشتعل النار في الحطام المبلل بالإهمال؟ تراهم الآن يتبادلون النكات السوداء عن وضع الفريق، يضحكون مرارة، ويقولون: “كنا ننتظر المشاركة في البطولة الإفريقية، فإذا بنا نسقط للبطولة الجهوية”، يرددون ذلك وهم يعرفون أن النكتة لم تعد تُضحك، بل تُبكي.

ومع ذلك، لا زالت المحمدية تحتفظ بشيء من العناد الجميل، ذلك العناد الشعبي الذي يقول: “لن نستسلم، حتى لو بقي لاعب واحد وجمهور واحد ودرج واحد”. وهذا هو السر الذي لن يفهمه أولئك الذين يعتبرون الكرة مجرد أرقام وصفقات ومناصب. الكرة في المحمدية ليست رياضة فقط، إنها شعور بالانتماء، وهوية جمعية، وأمل جماعي يُركل مع كل كرة ويُصفق له مع كل هدف.

فلتسقطوا الفريق كما تشاؤون، لكن لن تسقطوا ذاكرته. ولتنهبوا الأمل من الملعب، لكنكم لن تنتزعوه من القلوب. فهناك دائماً طفل صغير في حي شعبي، يرسم شعار شباب المحمدية على جدار متآكل، ويكتب تحته: “سنعود… ولو وحدنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.