مجتمع

شيخوخة المتشردين في المغرب.. معاناة بصمت مزدوج

ضربة قلم

في الزوايا المنسية من المدن الكبرى، تحت الجسور أو قرب أسوار المقابر، أو حتى أمام أبواب المساجد، ترقد أجساد أنهكها الزمن والتشرد معًا. لا يتعلق الأمر بشباب ضائعين أو مدمنين فحسب، بل بشيخوخة متروكة، بعجزة لفظهم المجتمع وتخلّت عنهم العائلات، فصاروا يعيشون آخر أعوامهم بلا مأوى، ولا رعاية، ولا حتى نظرة شفقة.

لقد ألفنا رؤية أشخاص مسنين بملابس ممزقة، يحملون أكياسًا بلاستيكية ويتنقلون بين حاويات القمامة أو يتوسدون الأرصفة. بعضهم نال منه الخرف، وبعضهم الآخر لا يزال واعيًا بما يحدث حوله، لكنه لا يملك صوتًا يعبّر به عن وجعه، ولا مكانًا يلجأ إليه حين تشتد برودة الليل أو تلسع الشمس جِلده.

ورغم أن الدولة المغربية بذلت جهودًا عبر “مراكز الرعاية الاجتماعية” و”خلايا اليقظة”، فإن هذه المبادرات تظل محدودة أمام حجم الظاهرة، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عشرات، بل مئات المسنين، يعيشون حالة التشرد في المدن الكبرى كالدار البيضاء، ومراكش، وطنجة. بعضهم خرج من المستشفى ولم يجد من يصطحبه، وآخرون تم طردهم من منازل كراء أو من بيوت أسرهم.

حين تبتلع الشوارع كرامة الشيخوخة

أن تفقد مأواك وأنت في الخمسين من عمرك مأساة. لكن أن تفقده وأنت تجاوزت السبعين، فذلك جرح يمس ما تبقّى من كرامة الإنسان. هؤلاء الشيوخ بلا أهل، بلا معاش، وبلا أي حماية من أمراض الشيخوخة أو العزلة أو الجوع أو قسوة الشارع. ومما يزيد المعاناة أنهم يفتقدون الوثائق الإدارية، ما يجعل حتى إدماجهم في برامج الرعاية مسألة شائكة.

إنهم يعيشون على الصدفة، على ما تجود به الأيادي، وعلى البقايا. لا يملكون حق الاعتراض، ولا حتى القدرة على الشكوى. ولأن أغلبهم بلا وعي قانوني أو قدرة على التواصل، تظل معاناتهم صامتة، لا تجد من يدافع عنها في البرلمان، ولا من يسلّط عليها الضوء في وسائل الإعلام.

هل فقدنا الحس الجماعي؟

ما يثير الحيرة أن المجتمع المغربي، الذي طالما افتخر بقيم التكافل والعناية بالمسنين، بات أكثر برودة تجاه هؤلاء. وكأن شيخوختهم لا تعنينا. وكأنهم أشباح، نمرّ من أمامهم دون أن نشعر أننا نحن أنفسنا مشروع مستقبل مشابه.

هل صرنا نخافهم بدل أن نحتضنهم؟ هل جعلناهم مرآة نكره أن نرى أنفسنا فيها في قادم الأيام؟

دعوة للتفكير لا للشفقة

ليست الغاية من طرح هذا الموضوع استدرار الدموع أو توزيع اللوم، بل دعوة حقيقية إلى التفكير: ما الذي يمنعنا من إنشاء “قرى للشيخوخة المشردة”؟ لماذا لا يتم تجنيد متطوعين لرصد الحالات في الشوارع والتواصل مع عائلاتهم إن وجدت؟ ولماذا لا تتحول المساجد والمراكز الثقافية إلى فضاءات للاحتماء المؤقت للمسنين في الشتاء والصيف؟

لقد صار واجبًا أخلاقيًا واجتماعيًا وإنسانيًا أن ننقذ هؤلاء قبل أن تبتلعهم الظلال بصمت… لأن لا أحد يستحق أن يشيخ بهذه الطريقة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.