دفاتر قضائية

شيماء ليست مجرمة… “صفعة” تتحوّل إلى محاكمة للكرامة بدل العدالة

ضربة قلم

في تطورات قد تحمل أبعادًا قانونية واجتماعية جديدة، عاد ملف شيماء وثلاثة آخرين إلى واجهة النقاش، في أعقاب الأحكام الابتدائية التي أصدرتها المحكمة بمدينة تمارة في ما عُرف إعلاميًا بملف “صفع القائد”. هذه القضية، التي حظيت باهتمام شعبي واسع، لا يمكن اختزالها في مجرد لقطة فيديو تم تداولها بشكل واسع على وسائل التواصل، بل يجب النظر إليها في ضوء ظروفها الكاملة، وسياقها الاجتماعي، وملابساتها الواقعية التي لم تحظَ، للأسف، بالاهتمام الكافي خلال المتابعة الإعلامية أو القضائية الأولية.

شيماء، التي صدر في حقها حكم ابتدائي بالسجن سنتين نافذتين بتهمة “الإهانة والعنف في حق موظف عمومي”، لم تكن في موقع المعتدية كما حاول البعض تصويره بشكل أحادي. كل الروايات التي سعت إلى شيطنتها غضّت الطرف عن الظروف التي أحاطت بتدخل القائد في ذلك اليوم، وعن الطريقة التي تمت بها معالجة الواقعة، بما في ذلك التدخل الأمني وأسلوب تحرير المحاضر. ما جرى لم يكن مجرد لحظة غضب عابرة، بل كان وليد تفاعل لحظي مع وضع إنساني ونفسي معقّد، كانت فيه شيماء تعيش حالة انفعالية شديدة، ووُثّقت معاناتها من نزيف حاد، وهو تفصيل لم يُعامل بالجدية الكافية، رغم كونه مؤشرًا مهمًا على هشاشتها الجسدية والنفسية في تلك اللحظة.

وفي حين ركز الإعلام والرأي العام على صورة صفع القائد، غابت عن النقاش أسئلة أكثر عمقًا: ما نوع السلوك الذي مارسه رجل السلطة قبل لحظة التصوير؟ ما الذي جرى خارج إطار الكاميرا؟ ولماذا لم تُفتح تحقيقات شفافة بشأن أقوال المتهمين حول ما تعرضوا له من ضغوط أثناء تحرير المحاضر؟ إن الاقتصار على الفيديو كدليل إدانة يتجاهل مبدأ العدالة القائمة على التمحيص، وليس على الانطباع الأولي أو الضغط الاجتماعي.

أكثر من ذلك، فإن الحكم على شيماء وزوجها وشابين آخرين بأحكام تتراوح بين ستة أشهر وسنتين، يوحي وكأن المحكمة اختارت نهج الصرامة القضائية في ملف ظل منذ البداية محاطًا بهالة من الحساسية الإدارية، دون أن تُمنح المتابعين فيه فرصة حقيقية لعرض دفوعاتهم في مناخ خال من التأثيرات الجانبية. فشيماء، التي وُصفت في الإعلام بالمنفلتة، هي في واقع الأمر مواطنة لها كرامة وحقوق، دخلت في احتكاك مع سلطة ميدانية لا ينبغي أن تكون فوق النقد أو المحاسبة. أما الحديث عن “هيبة الدولة” الذي طغى على المرافعات، فقد اختُزل في بُعده الرمزي، وتم توظيفه بطريقة تهويلية، وكأن المساس بمسؤول إداري لحظة انفعال، ولو بشكل غير مقبول، هو اعتداء على مؤسسة الدولة برمتها، متناسين أن هيبة الدولة تُبنى أساسًا على احترام المواطن، وعلى ضمان عدالة منصفة لا تنتصر فقط للسلطة بل تراعي أيضًا من هم في موقع ضعف.

اليوم، مع تقدم شيماء وباقي المدانين بطلبات استئناف، ينتظر أن يعيد القضاء النظر في الملف من زوايا أكثر توازنًا وإنصافًا، بعيدًا عن العناوين المستفزة، وضغط الرأي العام، والانحياز المسبق لبعض الأطراف. هذا الاستئناف ليس فقط إجراءً قانونيًا، بل هو فرصة لإعادة تصويب النقاش حول مسؤولية الإدارة، وحقوق المواطن، وحدود تدخل السلطة، والأهم من كل ذلك: كيفية ضمان المحاكمة العادلة في قضايا يتقاطع فيها القانون بالكرامة الإنسانية، والانفعال الإنساني بهيكل الدولة. فليس كل من انفعل مذنب، ولا كل من ارتدى زي السلطة معصوم من المحاسبة. العدالة لا تُقاس بردّات الفعل، بل بقدرتها على النظر بعينين اثنتين، لا واحدة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.