صانعو الأرقام وصانعو الأوهام: قراءة في أرقام التشغيل بالمغرب

ضربة قلم
نشرت مجلة “تلكيل” أرقاماً تسلط الضوء على مسار التشغيل في المغرب عبر خمس حكومات تعاقبت على تدبير الشأن العام، من عهد إدريس جطو وصولاً إلى حكومة عزيز أخنوش. أرقام تبدو للوهلة الأولى وكأنها مجرد معطيات جامدة، لكنها تخفي خلفها قصصاً من السياسات، والرهانات، والوعود الانتخابية التي تحطمت على صخور الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
فمن ارتفاعات طفيفة إلى انخفاضات مثيرة للقلق، تكشف هذه الأرقام عن تناقض صارخ بين الخطابات الرسمية والنتائج المحققة. فهل نحن أمام حكومات تصنع فرص الشغل أم أمام أرقام تُجمِّل واقعاً أكثر تعقيداً؟ وهل يمكن فعلاً قراءة مستقبل التشغيل من خلال هذه الأرقام، أم أن الحقيقة تكمن في التفاصيل التي لم تُذكر؟
في هذا المقال، سنغوص في عمق هذه الإحصائيات لنفكك دلالاتها، ونسلط الضوء على ما وراء الكواليس: أين نجحت السياسات العمومية؟ وأين تعثرت؟ ولماذا يبدو أن كل حكومة تتحدث عن “التقدم” بينما الواقع يحكي قصة أخرى؟
تُظهر الصورة المعززة بالأرقام من مجلة TelQuel مقارنة لأرقام التشغيل في المغرب عبر فترات حكم خمسة رؤساء حكومات: إدريس جطو، عباس الفاسي، عبد الإله بنكيران، سعد الدين العثماني، وعزيز أخنوش. يستعرض الجدول التطور الكمي لمناصب الشغل بين بداية ونهاية كل ولاية حكومية، مع الإشارة إلى الفرق (VARIATION) في عدد مناصب الشغل.
- إدريس جطو (2002-2007)
- عدد المناصب في 2002: 9176
- عدد المناصب في 2007: 10,056
- الفرق: +880
شهدت فترة جطو أكبر ارتفاع نسبي في عدد المناصب (+880)، وهو ما يعكس سياسات اقتصادية محافظة إلى حد ما ولكنها مستقرة، مستفيدة من استقرار عالمي نسبي قبل الأزمة المالية العالمية في 2008.
- عباس الفاسي (2007-2012)
- عدد المناصب في 2007: 10,056
- عدد المناصب في 2011: 10,510
- الفرق: +454
رغم تأثر المغرب بالأزمة المالية العالمية، حافظت حكومة الفاسي على وتيرة نمو معتدلة. يُلاحظ أن الفترة تزامنت مع بداية ظهور الحركات الاحتجاجية (حركة 20 فبراير) التي ربما أثرت على السياسات العامة.
- عبد الإله بنكيران (2012-2017)
- عدد المناصب في 2011: 10,510
- عدد المناصب في 2016: 10,613
- الفرق: +103
تُعتبر فترة بنكيران الأضعف من حيث النمو في مناصب الشغل (+103 فقط)، مما يعكس تأثير سياسات التقشف وإصلاح صندوق المقاصة. رغم خطاب الإصلاح ومحاربة الفساد، كان تأثير هذه السياسات محدوداً على التشغيل.
- سعد الدين العثماني (2017-2021)
- عدد المناصب في 2016: 10,613
- عدد المناصب في 2021: 10,772
- الفرق: +159
رغم تداعيات جائحة كورونا، تمكنت حكومة العثماني من تحقيق زيادة طفيفة، ربما بفضل برامج دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز الاقتصاد الرقمي.
- عزيز أخنوش (2021-2024)
- عدد المناصب في 2021: 10,772
- عدد المناصب في 2024: 10,673
- الفرق: -99
تُعتبر فترة أخنوش استثنائية بانخفاض عدد المناصب (-99)، وهو ما قد يُفسر بتأثيرات مختلفة. رغم الوعود الكبيرة المتعلقة بالتشغيل، يبدو أن التحديات الاقتصادية كانت أقوى.
قراءة تحليلية:
- استقرار هش: يظهر أن فترات الاستقرار السياسي لا تعني بالضرورة نمواً قوياً في التشغيل. فمثلاً، رغم الاستقرار الظاهري في عهد بنكيران والعثماني، كان النمو محدوداً.
- تأثير الأزمات: لعبت الأزمات العالمية دوراً كبيراً في تذبذب الأرقام، سواء الأزمة المالية 2008، أو تداعيات “الربيع العربي”، أو جائحة كورونا.
- السياسات الاقتصادية: رغم اختلاف توجهات الحكومات (تكنوقراطية مع جطو، محافظة مع بنكيران، ليبرالية مع أخنوش)، فإن أثر السياسات الاقتصادية على التشغيل لم يكن جوهرياً بما يكفي لتحقيق قفزات كبيرة.
خلاصة:
يبقى التشغيل في المغرب تحدياً مستمراً، حيث تعكس هذه الأرقام محدودية أثر السياسات العمومية على سوق الشغل. يبدو أن المغرب بحاجة إلى إصلاحات هيكلية حقيقية تتجاوز التدخلات الظرفية، مع التركيز على الاقتصاد الرقمي، ودعم المقاولات الناشئة، وتعزيز الاقتصاد الأخضر.