صحافة الموت: عندما تتحول وفاة نعيمة سميح إلى مادة استهلاكية!

ضربة قلم
رحيل المغنية الشهيرة نعيمة سميح، تلك الفنانة التي استطاعت أن تخلّد اسمها في سجلات الفن المغربي والعربي، كان بمثابة صدمة للملايين من محبيها وجمهورها العريض. في الوقت الذي يندب فيه العديد من محبي الفن وفاة هذه الأسطورة التي قدّمت الكثير للموسيقى المغربية، يظهر في الأفق بعض التصرفات الغريبة، خاصة من مواقع متخلفة، يبدو أنها لا تملّ من استغلال الأحداث حتى المأساوية منها.
تحت ضغط السباق الصحفي المحموم، نجد أن هذا الصنف من بعض وسائل الإعلام تسارع الخطى نحو نشر كل ما يمكن أن يدرّ “الدراهم” ولو كان ذلك على حساب كرامة الإنسان وأحاسيس عائلة الفقيدة. وهنا، لابد من التساؤل: لماذا تصر صحافة “سيدي زكري” على تصوير قبر الراحلة وتوزيع الفيديوهات بطريقة تسلّط الضوء على اللحظات الحزينة، بدلاً من أن تترك للذكريات الجميلة التي تركتها نعيمة سميح أن تعيش في نفوس جمهورها؟
ما تفعله هذه الصحافة في آخر الزمن يتجاوز حدود المهنة إلى مسألة انعدام الحسّ الإنساني. فبدلاً من نعي هذه الفنانة الراحلة وتكريم مسيرتها الفنية والإنسانية، نجد البعض يفضل تعميق جراح العائلة عبر الترويج لفيديوهات تظهر مكان دفنها، وكأنها مادة استهلاكية هدفها جذب المشاهدات والتفاعل على حساب كرامتها وذكرى رحيلها
لماذا، إذاً، تلاحق الصحافة اللحظات الأخيرة من حياة نعيمة سميح بهذه الطريقة؟ أهو مجرد جشع أو استغلال لمأساة شخصية من أجل تحقيق نسب عالية من التفاعل؟ أو أن الأمر يتعلق بنزعة حسّية تدفعهم إلى تكديس الدراما على حساب احترام حرمة الموت؟ على الرغم من أن الصحافة مطالبة بتغطية الأخبار والاهتمام بمختلف جوانب القضايا المجتمعية، إلا أن لهذا الأمر حدودًا أخلاقية لا ينبغي تجاوزها.
والأكثر إيلامًا في هذه الحالات هو أن هذه التصرفات لا تقتصر فقط على الصحافة الصفراء، بل أحيانًا نجد أن بعض المواقع الإلكترونية تروج للأخبار العاجلة بطريقة سريعة تفقد فيها الخبر قيمته الإنسانية، وتصبح مجرد مادة استهلاكية تفقد احترامها لجمهور المتابعين ولأسر الضحايا.
إنّ التغطية الإعلامية لوفاة الشخصيات العامة يجب أن تتسم بالمسؤولية والاحترام، وفي حالة نعيمة سميح، كان الأجدر بالصحافة أن تركز على توثيق ذكريات هذه الفنانة العظيمة وأعمالها التي حازت إعجاب الجميع، وأن تسلط الضوء على إرثها الفني الذي سيظل حيًا في قلوب محبيها. بدلاً من ذلك، أصبح بعض الإعلام يروج لمشاهد لا تشبع سوى فضول القليلين، على حساب المصداقية والإنسانية.
نعيمة سميح كانت ولا تزال، بالنسبة للكثيرين، رمزًا من رموز الإبداع والمثابرة في الموسيقى المغربية. وليس هنالك ما يستحق أن نتذكره أكثر من هذه اللحظات المشرفة التي تركتها في قلب الفن المغربي.