دفاتر قضائية

صفعة للخطاب الحقوقي: السجن والغرامة لرئيس سابق لمركز حقوقي

ضربة قلم

في مشهد أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية المغربية، أصدرت غرفة الجنايات المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف في فاس حكماً يقضي بإدانة الرئيس السابق لمركز حقوق الناس بسنة واحدة حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم، بعد متابعته بتهم تتعلق بتبديد واختلاس أموال عمومية مخصصة لمشاريع ذات طابع حقوقي.

القضية التي شغلت الرأي العام تعود إلى سنوات خلت، حين استفاد المركز الحقوقي من تمويلات موجهة لإنجاز برامج مرتبطة بنشر ثقافة حقوق الإنسان وتكوين الفاعلين الجمعويين في عدد من المدن المغربية. غير أن تقارير رقابية لاحقة تحدثت عن “اختلالات” شابت صرف تلك التمويلات، وأشارت إلى غياب التبريرات القانونية والمالية لمبالغ مهمة صرفت خارج الإطار المتفق عليه.

وبحسب معطيات القضية، فإن النيابة العامة أحالت الملف على قاضي التحقيق بعد الاشتباه في استعمال تلك الأموال في نفقات لا علاقة لها بالمشاريع الممولة، ما دفع السلطات المعنية إلى فتح بحث دقيق انتهى بإحالة الملف على غرفة جرائم الأموال.

وقد سبق للمحكمة أن قضت في مرحلة ابتدائية ببراءة المتهم، غير أن الحكم لم يكن نهائياً، إذ طعنت النيابة العامة في القرار أمام محكمة النقض، التي أمرت بإعادة النظر في الملف من جديد، لتخلص المحكمة في جلستها الأخيرة إلى إدانته والحكم عليه بالسجن سنة نافذة.

اللافت في القضية أن المتهم، الذي ظل لعقود من أبرز الأصوات المدافعة عن الشفافية والمساءلة ومناهضة الفساد، وجد نفسه في موقف المتَّهَم بتبديد المال العام، ما جعل العديد من المتابعين يرون في الحكم “صفعة رمزية” للخطاب الحقوقي حين يتناقض مع الممارسة الواقعية.

وفي المقابل، يرى بعض المقربين من المتهم أن الملف لم يُعالج بالموضوعية الكافية، وأن القضية ذات خلفية إدارية أكثر منها جنائية، معتبرين أن الاختلالات المسجلة لا ترقى إلى مستوى “النية الإجرامية” أو “التبديد المقصود”، بل ترتبط بضعف في التدبير الإداري والمالي الذي يعاني منه عدد من الجمعيات الحقوقية بالمغرب.

القضية، التي غاب صاحبها عن جلسات المحاكمة الأخيرة بدعوى وضعه الصحي، أعادت إلى الواجهة النقاش حول طرق مراقبة التمويلات الأجنبية والوطنية التي تستفيد منها الجمعيات، ومدى خضوعها لآليات التتبع والمحاسبة، في ظل تزايد التساؤلات حول شفافية تدبير المال الجمعوي.

ويرى متتبعون أن الحكم، رغم قساوته في نظر البعض، قد يشكل رسالة واضحة مفادها أن العمل الحقوقي لا يمنح حصانة قانونية لأي كان، وأن رفع شعار “الدفاع عن الشفافية” لا يعفي من تطبيق القانون حين تُرصد تجاوزات في تدبير المال العام.

وفي النهاية، وبين من يرى في الحكم انتصاراً لسيادة القانون، ومن يعتبره استهدافاً لرمز من رموز الحركة الحقوقية، تبقى الحقيقة الوحيدة أن المشهد الحقوقي المغربي يعيش اليوم لحظة مراجعة صريحة، عنوانها أن النزاهة لا تُقاس بالشعارات، بل بالممارسة الفعلية على الأرض.

ونعرف جميعاً أن العمل الجمعوي والحقوقي ابتُلي بنماذج خطيرة، حيث – وإن كنا لا نعمم – فإن من شروط العمل التطوعي النبيل نكران الذات وصفاء القلب وشهادة البراءة من الأمراض الاجتماعية، لأن من لم يتحرر من أنانيته وحب الظهور والمال لا يمكن أن يكون خادماً للمصلحة العامة، بل خصماً لها في ثوب المناضل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.