دفاتر قضائية

صناديق الاقتراع تتحول إلى قنابل فساد مؤقتة!

المنتخبون في بني ملال: صوت لهم الشعب… فخانوه بالملايير!

ضربة قلم

في مملكة تُبدّد فيها الميزانيات كما تُبدّد الأمنيات، ويُزخرف فيها الفساد كما تُزخرف القاعات الكبرى للاجتماعات الفارغة، ها نحن أمام حلقة جديدة من المسلسل الوطني الطويل: “المال العام في خبر كان”، من بطولة سبعة عشر متهماً، يمثلون ـ ويا للصدف السعيدة ـ أمام الوكيل العام المكلف بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، المدينة التي تأبى إلا أن تبقى بيضاء في الاسم فقط.

المشهد هذه المرة يُعرض علينا من بني ملال، تلك المدينة التي تُعرف بأنها عاصمة تادلة الزراعية، فإذا بها تتحول، بفضل بركات “منتخبيها”، إلى حقل خصب لزراعة ملفات الفساد، وسقيها بصفقات عمومية مشبوهة، وحصادها على شكل متابعات قضائية بتهم ثقيلة. نعم، نحن لا نتحدث عن غرباء أو غزاة نزلوا من السماء، بل عن منتخبين محليين اختارهم الناس، أو هكذا يُفترض، ليُدبّروا شؤون الجماعة، فإذا بهم يُدبّرون، لكن في اتجاه مختلف تمامًا: تدبير الاختلاس، والتزوير، وتبديد المال العام.

المنتخبون المعنيون، والذين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي ببني ملال خلال ولايتين انتخابيتين، جعلوا من ميزانية الجماعة دجاجةً تبيض ذهبًا، لكنهم لم يكتفوا بالذهب، بل أكلوا الدجاجة وتركوا الريش للمواطنين. ومن بينهم برلمانيان، وموظف مالي بالجماعة، ومهندس، وموظفة، ومنعش عقاري وصاحب مكتب دراسات، أي أننا أمام تشكيلة مؤسساتية فريدة تمثل “تآلف المصالح”، لا “تآلف المسؤولية”.

النيابة العامة لم تكتب السيناريو جزافًا، بل وجهت لهم تهمًا موثقة تتعلق بتبديد أموال عمومية، وتزوير وثائق، والاستفادة غير القانونية من صفقات، وهي تهمٌ من النوع الثقيل الذي لا ينفع معه حليب الإبل، ولا وساطات “العائلة الممتدة”.

وإذا أمعنّا في القصة، سنجد أن وزارة الداخلية اضطرت في وقت سابق إلى عزل رئيس الجماعة السابق، بعد أن أظهرت التقارير المالية أنه لم يكن يُدبّر شؤون المدينة بقدر ما كان يُدبّر شؤون… جيبه. ثم جاءت المحكمة الدستورية لتُجهز على ما تبقى من ماء الوجه، وجردته من عضويته في مجلس النواب، لأنه “لم يعد مؤهلاً لتمثيل الأمة”، وكأنّ الأمة كانت تمثله أصلاً.

هذه القضية ليست نكتة سياسية، بل مرآة مكسورة نرى فيها ما لا نحب أن نراه: مسؤولون منتخبون يُفترض أنهم خُدّام للساكنة، فإذا بهم “يشفطون” المال العام بشراهة، وكأنهم في سباق مع الزمن، أو كأن ميزانية الجماعة صندوق زكاة بلا حسيب ولا رقيب.

أما الحديث عن “تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد”، فهو مثل الحديث عن الرجولة في زمن “الفوتوشوب”: كثير الترويج، قليل التطبيق. وقد تعوّدنا أن تُفتح الملفات في بهو الإعلام، ثم تُغلق بصمت في دهاليز القضاء. فهل سيكون هذا الملف استثناءً؟ أم مجرد حلقة جديدة في سلسلة “شدّوه… وسرّحوه”؟

في انتظار ما ستُسفر عنه المحاكمة، تبقى الرسالة واضحة: حين ينتخب المواطن مسؤولين لتدبير المدينة، قد ينتهي به المطاف بانتخاب لجنة لتسيير محكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.