صندوق التقاعد: يراهن بأموال المتقاعدين في حملات إشهارية… والمسنون يدفعون الثمن!

ضربة قلم
في مغرب 2025، حيث المنطق يهاجر بلا تأشيرة، قرّر الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR، أن يُنافس كازينوهات لاس فيغاس في التبذير والمراهنة، لكن ليس بأمواله الخاصة طبعًا، بل بأموال المتقاعدين الكرام الذين يكتشفون كل صباح أن معاشهم في ذمة “حملة إشهارية”.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه آلاف المتقاعدين صرف معاشاتهم بشغف لا يقل عن انتظار نتيجة تحاليل طبية خطيرة، خرج علينا الصندوق بموجة من الإعلانات على اليوتيوب، وزخّ علينا “بالكونتون” التسويقي عبر مؤثرين أغلبهم يجهل الفرق بين الضريبة والتقاعد، وبين الـCIMR وCIMEX.
تخيلوا معي أن الحاج عبد القادر، الذي أفنى عمره في العمل ويدعو الله أن لا تنقطع عنه “مئتين درهم ديال الشهر”، يجد نفسه ممولًا لحلقة جديدة من محتوى مؤثر يشرح كيف تأخذ قيلولة “ستراتيجية” على كنبة وردية، وكيف ترفع من معنوياتك عبر كوب شاي بالزعتر ممول من الصندوق المهني المغربي للتقاعد!
نعم، لقد قرر الصندوق -بكل شجاعة تسويقية- أن يُرمم صورته عند الجيل الجديد، ليس عبر تحسين خدماته ولا رفع معاشات المتقاعدين، بل عبر حجز مساحات إعلانية عند مؤثرين لا يميزون بين “التقاعد النسبي” و”النسبية لأينشتاين”. والنتيجة؟ صورة ناعمة ومحتوى لامع، يقابله معاش بئيس وانتظار قاتل لإجراء إداري بسيط.
أما المشاكل الحقيقية؟ فهي مؤجلة إلى إشعار غير مُؤثَّر. تعقيد الإجراءات؟ لا بأس. تأخر صرف المعاشات؟ عادي. ضعف التغطية؟ جزء من الحياة. المهم أن “البراند” يظهر بخط جميل، وتحت شعار أنيق: “كن مطمئنًا… معاشك في أيدٍ تسويقية أمينة!”
والسؤال المؤلم هو: متى تحولت أموال التقاعد من سند للحياة الكريمة إلى رصيد إشهاري على منصات التواصل؟ هل أصبح معاش الحاج عبد القادر يُقاس بعدد “اللايكات” و”الشيرز”؟ وهل يجب على أرملة في قرية نائية أن تتابع إنستغرام لتعرف مستجدات ملفها؟
صحيح أن الصورة مهمة، لكن الكرامة أولى، والمعاش المحترم أبلغ من ألف حملة رقمية. ولعلّ من الطريف –والمبكي في آنٍ– أن المتقاعدين يُستعملون في البوسترات، لكن يُهملون في الواقع.
فلتُطوِ CIMR صفحات الحملات، وتفتح ملفات الخدمات، لأن الشاشات لا تسد جوعًا، ولا تملأ دواءً، ولا تحترم شيبًا. ولأن من واجبنا أن نسأل: إلى متى سيظل معاش الشيخ يمول “روتين يومي” لمؤثر شاب؟
ربما آن الأوان لنقترح عليهم شعارًا جديدًا:
“CIMR… حيث التقاعد يصبح مؤثرًا… لكن ليس في جيبك!”