خارج الحدودمجتمع

صواريخ عند الفجر: حين يشتعل الغضب بين تل أبيب وطهران

ضربة قلم

ما حدث – إن صحت التقارير – ليس مجرد تصعيد عسكري عابر، بل هو زلزال جيواستراتيجي قد يعيد رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، ويضع “الحكومة الدولية” أمام امتحان جديد لمدى جديتها أو تواطئها، لمدى قدرتها على الفصل بين منطق القانون ومنطق القوة، بين منطق الأمم ومنطق الغاب.

“شعب كالأسد”.. من الذي يزمجر في وجه من؟

إطلاق اسم “شعب كالأسد” على هذه العملية الإسرائيلية، يحمل في ذاته رسالة نفسية قبل أن يكون توصيفًا عسكريًا. الرسالة تقول إن العملية موجهة ضد منظومة سياسية – دينية تعتبر نفسها “أسد الأمة”، وضد شعبٍ تم تلقينه على مدار عقود أنه مقاوم بالفطرة، ممانع بالدم، ويمتلك مشروعًا حضاريًا “مضادًا للهيمنة”.

لكن المفارقة أن القصف استهدف مدنًا نووية، وقادة عسكريين، وأبرز علماء البرنامج النووي الإيراني، أي أنه استهدف قلب المشروع الاستراتيجي الإيراني نفسه. أي أن إسرائيل لم تضرب فقط “أذرعًا إيرانية في الخارج” – كما جرت العادة – بل ضربت الرأس مباشرة، فيما بدا وكأنه تطبيق ميداني حرفي لمبدأ “الضربة الاستباقية الشاملة”.

المجتمع الدولي.. حكومة أم نقابة مصالح؟

إذا نظرنا إلى ما يسمى بـ”الحكومة الدولية” – ممثلة في مجلس الأمن، الأمم المتحدة، أو حتى مجموعة الدول الصناعية الكبرى – فإن السؤال الملحّ هنا: هل هذه المؤسسات قادرة على ضبط هذا الجنون الصاروخي؟ أم أنها تقف كالمتفرج، تراقب الشعوب وهي تُفنى، وتدلي بتصريحاتها الباردة حول “القلق العميق” و”الدعوة لضبط النفس”؟

ما جرى في فجر الجمعة لا يخص فقط إسرائيل وإيران، بل هو اختبار صارخ لفكرة العدالة الدولية. فإن كانت إسرائيل فعلًا قد استهدفت قادة عسكريين وعلماء نوويين داخل العمق الإيراني، فإنها بذلك أعلنت تجاوز كل الخطوط الحمراء، متسلحة بما تعتبره شرعية الردع. فهل يُسمح لأي دولة أخرى بفعل الأمر ذاته؟ هل كانت سوريا أو فنزويلا ستُعامل بنفس التساهل الدولي لو قامت بعملية مماثلة؟ الجواب واضح.

إيران.. عندما يُضرب العمق

مقتل محمد باقري، إن تأكد، لا يقل رمزية عن اغتيال قاسم سليماني. الأول هو العقل العسكري الأرفع في الهيكل الإيراني، وهو من أعاد هندسة العقيدة القتالية للحرس الثوري بعد الحرب السورية. موته هو محاولة لقطع الرأس العسكري عن الجسد السياسي.

أما مقتل العلماء النوويين، فهو رسالة لا لبس فيها: “لن نسمح لكم بامتلاك أي قدرة نووية، لا سلمية ولا عسكرية”. وبهذا، تتكرر ذات العقيدة الإسرائيلية التي طبقت على العراق في 1981 (مفاعل تموز)، وسوريا في 2007 (دير الزور)، والآن إيران.

الرد الإيراني.. صاع بصاعين؟

طهران وعدت برد “صاع بصاعين”، لكنها تعلم أن كل خطوة تُقدم عليها قد تجرّ المنطقة إلى حرب شاملة، في لحظة جيوسياسية حساسة أصلًا: حرب أوكرانيا، توتر الصين مع تايوان، والانقسام الأمريكي الداخلي قبيل الانتخابات.

لكن منطق الرد أصبح ضرورة داخلية أكثر منه خيارًا استراتيجيًا. فالنظام الإيراني لا يستطيع تبرير فشله في حماية نخبه وقادته دون أن يلوّح بالنار. بل إن عدم الرد سيُعتبر انتحارًا سياسيًا داخليًا، قد يُسرّع مناهج التآكل من الداخل.

الخلاصة: من يحكم العالم حقًا؟

في النهاية، ما جرى يعيدنا إلى سؤال فلسفي قديم: من يحكم العالم؟ هل هي المؤسسات؟ القوانين؟ مواثيق الأمم المتحدة؟ أم تحكمه الصواريخ، وطائرات الشبح، و”حق الفيتو”؟

حين تنفرد دولة بمهاجمة دولة أخرى في وضح الفجر، وتعلن ذلك بفخر، ولا تهتز شعرة واحدة في رأس المجتمع الدولي، فإننا نعلم أن “الحكومة الدولية” – إن وجدت – ليست سوى واجهة بلاغية لواقع تحكمه موازين القوة، لا ميزان العدالة.

وإذا كان هناك من شعب فعلاً “كالأسد”، فهو ذلك الذي لا يُؤكل حين يؤكل جاره، ولا يصمت حين تُقصف عواصمه، ولا يختبئ خلف بيانات الإدانة التي لا تقتل ذبابة.

فهل ما زال هناك مكان للعدالة؟ أم أن العالم قد دخل طور “الردع الشامل” بلا سقف ولا ضوابط؟

التاريخ يراقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.