فن وثقافة

صوت الكمبري… وصمت الشريحة

م-ص

في مساءٍ تكسوه نغمة الكمبري، وتتمايل فيه الصويرة على إيقاع الطبول الأفريقية، كانت المدينة تُسدل الستار على مهرجان كناوة في نسخته السادسة والعشرين… أنغام تلامس القلب، وشعور عارم بأن الفن لا يموت، حتى حين تتكاثر الأزمات.

كان الجميع يرقص. لا أحد يشتكي، فالصويرة لا تسمح بالحزن العلني. لكنها – كعادتها – تحفظ في زواياها الضيقة دمعة لا تسقط، وحسرة لا تُقال.

في ركن هادئ، كان شيخ يطبطب على ركبته، يتمتم بكلمات من زمن آخر، ثم يقول:
“ها العيد جا… ولكن بلا شريحة.”
ولا أحد يرد، فالجميع يعرف.
الشريحة هذه السنة، مرّت مر الكرام. لم يتوقف المغاربة كثيرًا أمام غيابها، لأنهم يعرفون أن الأمر لم يكن قرار حكومة، بل كان عطفًا ملكيًا في ظل أزمة خانقة، طالت القطيع نفسه.
القطيع الذي كان، يومًا، رمز العيد والفرح، صار اليوم رقمًا صعبًا في معادلة مستحيلة، فخفّف الملك من وطأته عن الناس، وسكتت الشوارع عن السؤال.

ووسط هذا الصمت، علت أصوات كناوة… لا لتنسينا، بل لتواسي.
كأن الموسيقى جاءت لتقول: قد لا نأكل الشريحة، لكننا نستطيع أن نغني عنها…
قد لا تُشترى الأضحية، لكن صوت الكمبري يُعيد إلينا شيئًا من الكرامة، من الأمل، من ذاك الوطن الذي نحبه رغم كل شيء.

كناوة ليست ترفًا، بل ضرورة.
مهرجانها لا يُنهك الخزينة، لا يختلس من جيب المواطن، لا يوزع التذاكر على مقاس العلاقات.
كناوة تمشي في أزقة الصويرة كما يمشي الضوء على سطح البحر… بهدوء، بعفوية، دون بروتوكول.
تمنح الموسيقى دون أن تطلب شيئًا، وتوزع “الحال” كأنه خبز ساخن، يصل إلى كل من اقترب.

لكن، هل تكفي الموسيقى؟
هل نغني بدل أن نذبح؟
وهل تحلّ الطبول محلّ الأضاحي؟

ربما لا، لكننا في زمنٍ صارت فيه النغمة، أحيانًا، أكرم من اللحم.
زمنٍ نحمد الله فيه على قرار ملكي خفّف به عن الناس، في لحظة تعذّر فيها على القطيع نفسه أن يحضر.

واختتمت كناوة مهرجانها، وتركت لنا صوتًا يتيماً، يسأل في الأعماق:
“متى يعود الفرح كاملاً؟”
لكننا نبتسم رغم السؤال، ونرقص، لا لأننا نجهل حجم الألم… بل لأننا نُقاومه بطريقتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.