ضبط أستاذ جامعي يتجاوز حدوده المهنية خلف طاكسي بمراكش

ضربة قلم
ليست مجرد صدفة عابرة أن يُضبط أستاذ جامعي، يفترض فيه أن يكون حارسًا للمعرفة وقدوة للأجيال، وهو يقود سيارة أجرة صغيرة في أحد أحياء مراكش دون ترخيص قانوني. إنها واقعة تهز الصورة النمطية للنخبة الأكاديمية، لكنها في العمق تُزيح الستار عن واقع هشّ ومقلق، يتجاوز حدود المفاجأة إلى طرح أسئلة محرجة حول من يتحكم فعليًا في قطاع سيارات الأجرة، وحول مدى هشاشة منظومة القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تُفترض أن تضمن الحد الأدنى من الكرامة للمشتغلين في حقل التعليم العالي.
- من القدوة إلى الهشاشة: أزمة الكرامة في المهن العليا
عندما يُجبر أستاذ جامعي، رمز النخبة الفكرية ومفترض أن يكون عماد الطبقة المتوسطة، على امتهان قيادة سيارة أجرة في ساعات فراغه، فإننا لا نتحدث فقط عن خلل في أولوياته، بل عن أزمة في منظومة التقدير الاجتماعي والاقتصادي للكفاءات. فالمعلم، والأستاذ، والباحث، الذين كانوا يُمثلون في زمن سابق أعمدة المجتمع، أصبحوا اليوم مضطرين لطلب النجدة من مهن هامشية لتأمين عيش كريم. والحال أن هذه الوضعية لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة سنوات من تدهور القدرة الشرائية، وجمود الأجور، وغياب سياسات التحفيز داخل الجامعات العمومية، مقابل تنامي الريع في قطاعات غير منتجة.
- المأذونيات: حين يتحول الحق العمومي إلى تجارة خاصة
نظام “المأذونيات” أو “الكريمات” أصبح رمزًا لاقتصاد ريعي عتيق لم يعد يتماشى مع متطلبات العصر. فهو نظام يسمح بمنح رخص النقل الحضري لأشخاص قد لا تكون لهم علاقة لا بالنقل ولا بالمصلحة العامة، بل فقط قربهم من دوائر القرار أو الولاء السياسي أو النفوذ التقليدي. هذه المأذونيات تُحوَّل بعد ذلك إلى مصدر دخل مضمون، عبر كرائها لأشخاص مجبرين على العمل في ظروف لا تحترم الحد الأدنى من العدالة المهنية. الأسوأ من ذلك أن المأذونية تُستغل من طرف “شبكات” تحترف المتاجرة في القطاع، حيث يكترونها لأشخاص آخرين بدون تتبع قانوني أو مراقبة ضريبية أو مساءلة أخلاقية.
- الخرق المزدوج: القانوني والأخلاقي
أن يشتغل أستاذ جامعي بسيارة أجرة دون رخصة ثقة هو خرق واضح للقانون، لكن الأهم أنه يلقي الضوء على حجم التواطؤ المؤسساتي. فهل من المعقول أن يُسمح لشخص باستغلال تسع مأذونيات دفعة واحدة دون أن تثير هذه الوضعية ريبة السلطات؟ أين هي مديريات النقل؟ وأين هي جماعات المدن؟ ولماذا لا تُنشر لوائح المستفيدين من المأذونيات بشكل شفاف يتيح للمجتمع مراقبة استغلال هذا المرفق العمومي؟ نحن أمام ثقافة تطبيع مع الفساد، حيث يصبح الاستثناء هو القاعدة، وتُمارس المخالفات أمام أعين الجميع دون حرج.
- السكوت الرسمي: سياسة “دع الأمور تمر”
اللافت في هذه الواقعة، كما في مثيلاتها، هو الغياب شبه الكامل لرد فعل واضح من السلطات المحلية أو المركزية. لم نسمع أي دعوة لفتح تحقيق معمق في شبكات استغلال المأذونيات. لم نر أي تعليق من وزارة النقل أو التعليم العالي أو الداخلية. وكأن المؤسسات تفضل الصمت على تحريك مياه راكدة قد تُغرق أطرافًا ذات نفوذ. هذا الصمت هو ما يُشجع على مزيد من التسيب، ويُشعر المواطن بأن القانون لا يُطبق إلا على الضعفاء.
- ماذا بعد؟ نحو إصلاح جذري وشامل
لم يعد يكفي التنديد. المطلوب اليوم مقاربة شجاعة تقطع مع الريع والارتجال، وتضع أسس قطاع نقل حضري عقلاني، عادل، وشفاف. ويُمكن اقتراح الخطوط العريضة التالية للإصلاح:
- إلغاء نظام المأذونيات واستبداله بعقود امتياز مؤقتة تمنح بناء على دفتر تحملات شفاف، يخضع للتجديد بعد تقييم الأداء.
- خلق سجل وطني موحد للفاعلين في قطاع النقل يمكن المواطنين من تتبع هوية السائق، صلاحيته القانونية، وامتثاله للمعايير.
- تمكين السائقين من إنشاء تعاونيات ذات طابع احترافي تؤهلهم للحصول على الامتياز مباشرة دون وساطة ريعية.
- إعادة النظر في شروط منح رخص الثقة بحيث تُربط بالتكوين والكفاءة لا فقط بمسطرة إدارية بيروقراطية.
- فرض شفافية مطلقة في نشر لوائح المستفيدين من رخص النقل، وعقود الكراء، والعائدات المالية المصرح بها.
في النهاية، ليست قضية الأستاذ ـ السائق سوى جرس إنذار لنظام متداعٍ في حاجة ماسة إلى ترميم، بل إعادة تأسيس. فحين يُصبح التعليم، والنقل، والكرامة، كلها ملفات عالقة في بلد يطمح للإقلاع التنموي، فإن الأولوية القصوى يجب أن تكون للإصلاح الجذري لا للترقيع.
Good https://is.gd/N1ikS2
Awesome https://is.gd/N1ikS2
Very good https://is.gd/N1ikS2
Very good https://is.gd/N1ikS2
Good https://is.gd/N1ikS2
Very good https://is.gd/N1ikS2