دفاتر قضائية

طنجة تُحاكم ذئاب الهجرة: من حلم العبور إلى فدية النجاة

ضربة قلم

في طنجة، المدينة التي تحلم فيها الأرواح بالعبور نحو الضفة الأخرى، طفت إلى السطح واحدة من أبشع الجرائم التي تُرتكب باسم الأمل… أمل الهجرة. سبعة شبان من أبناء المدينة، تراوحت أعمارهم بين العشرينات والأربعينات، لم يختاروا طريق الشرف أو العمل، بل قرروا أن يصيروا ذئاباً تنتظر فريستها عند مفترق الأحلام: محطة الحافلات.

هؤلاء لم يكتفوا بسرقة ما في الجيوب، بل امتدت أيديهم إلى ما هو أعمق… إلى ما تبقى من كرامة مهاجر غير نظامي يحلم بالحرية. كانوا يعترضون طريق شباب قادمين من مدن بعيدة، يوهمونهم بتذاكر سفر عبر “قوارب الموت”، ثم يسوقونهم إلى غابة مسنانة، حيث تُنتزع الهواتف، وتُطلب أرقام الأمهات والآباء، وتُفتح مفاوضات الرهائن وكأننا في زمن الحرب. كان الأمل يُباع، لا بثمن الرحلة، بل بفدية النجاة.

قضت العدالة في طنجة، أخيرا، بأحكام بلغت في مجموعها 110 سنوات من السجن، أربعة منهم نالوا عشرين سنة لكل واحد، وثلاثة تلقوا أحكاماً بعشر سنوات. كانت الأحكام ثقيلة، لكنها لم تكن اعتباطية، بل جاءت في سياق تراجيدي يختلط فيه العنف بالنصب، والاحتجاز بالخداع، والإنسان بالسلعة.

الأهالي الذين تلقوا تلك الاتصالات الليلية المشؤومة، والضحايا الذين عاشوا الرعب في الغابة، كلهم خرجوا من التجربة بجرح لا يندمل. ليست مجرد جريمة عادية، بل تجلٍّ صارخ لوضع اجتماعي هش، يُحوّل أبناء المدينة من حراس للحلم إلى قراصنة يبيعونه بالسعر الذي يشاؤون.

طنجة، هذه المدينة التي لطالما تغنى بها الشعراء كميناء للحب والعبور، تجد نفسها اليوم شاهدة على عبور من نوع آخر… عبور إلى الظلام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.