دفاتر قضائية

طنجة… مدينة تهتز على وقع حكمين يعيدان وجع الجريمة إلى الواجهة

ضربة قلم

كنا قد أثرنا في وقت سابق مأساة الجريمة التي دوّت أصداؤها في أرجاء طنجة، حين أقدم شاب على قتل والدته في مشهدٍ تقشعرّ له الأبدان. واليوم، تعود القضية إلى الواجهة من بوابة العدالة، حيث نطقت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بطنجة، في ساعة متأخرة من مساء أمس، بأحكام ثقيلة في ملفين أثقلا ذاكرة المدينة ووجدان أهلها.

فقد قضت المحكمة بالسجن المؤبد في حق شابٍ أزهق روح والدته داخل منزل الأسرة بحي مسنانة، في جريمة وُصفت بأنها من أبشع ما شهدته طنجة في السنوات الأخيرة. كما أدين شابٌ آخر بثلاثين سنة سجناً نافذاً، بعد أن أنهى حياة صديقه وشريكه في السكن بحي بنديبان، إثر خلافٍ بسيط تحوّل إلى نزيفٍ دموي لا رجعة فيه.

المؤبد لقاتل والدته

داخل قاعة المحكمة، خيّم الصمت الموجع حين تلا القاضي منطوق الحكم. المتهم، شاب في السادسة والعشرين من عمره، وقف مطأطئ الرأس وهو يسمع الكلمة التي سترافقه ما تبقّى من عمره: “مؤبد”.
خلال جلسات الاستنطاق، اعترف الشاب بأنه كان تحت تأثير “البوفا” و”السيليسيون”، وأنه لا يتذكّر تفاصيل ما حدث، سوى أنه فقد السيطرة على نفسه. لكن النيابة العامة واجهته بتقرير الطب الشرعي الذي سرد فظاعة ما ارتُكب: ثلاث عشرة طعنة متفرقة في جسد والدته، بعضها غائر حتى العظم، باستعمال سكينٍ ضخم طوله يقارب نصف متر.

وتحدث الوكيل العام للملك بصوتٍ يقطر ألماً وغضباً، قائلاً: “قتل الأم جريمة لا تبررها المخدرات ولا الغضب ولا المرض النفسي. من يرفع يده على من وهبته الحياة، يقتل في نفسه آخر ذرة إنسانية.”
ولم تغب الشكوك عن هيئة الحكم بعدما تبيّن تضارب أقوال أحد الإخوة بين التحقيق والجلسة، ما أوحى بمحاولة العائلة التخفيف عن ابنها، رغم أن الجرح لا يندمل.

المتهم كان قد غادر السجن حديثاً، ويعاني اضطرابات نفسية بسبب الإدمان. في يوم الجريمة، انفجر غضبه كبركانٍ أعمى، ليحوّل بيت العائلة إلى مسرحٍ للفاجعة، قبل أن يتم توقيفه بعد مقاومة شرسة من رجال الأمن.

30 سنة سجناً لقاتل صديقه

وفي القضية الثانية، لم تكن المأساة أقل وجعاً. شابٌ في ريعان العمر فقد أعصابه في لحظة غضب، فأنهى حياة أقرب أصدقائه.
القصة بدأت بخلافٍ تافه حول هاتفٍ مفقود، وانتهت بطعناتٍ على مستوى العنق والظهر أودت بحياة الضحية في مستشفى محمد الخامس.
وخلال المحاكمة، لم يتمالك المتهم دموعه، مؤكداً أنه لم يكن ينوي القتل، وأنه لا يزال يسمع صدى صراخ صديقه في أذنه كل ليلة.

طنجة… بين الجريمة والعبرة

حُكم المؤبد و30 سنة نافذة، لكن ما خفي أعظم من كل الأحكام: أمٌ فقدت حياتها على يد من أنجبت، وصداقة تحوّلت إلى مأتم.
طنجة، المدينة التي تتزيّن بالبحر والهواء، وجدت نفسها وجهاً لوجه مع وجعٍ يختبر معنى الإنسانية حين تغيب عن وعي أصحابها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.