ظاهرة انتحار التلاميذ: جرس إنذار لمجتمع مأزوم

ضربة قلم
ما وقع في ثانوية طارق بن زياد بحي المحاميد في مراكش ليس مجرد حادثة معزولة، بل هو جزء من ظاهرة آخذة في التوسع، تنذر بانهيارات نفسية متتالية وسط الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع: التلاميذ.
من المسؤول؟
عندما تُقدِم تلميذة في ربيعها الثالث عشر على محاولة الانتحار، لا يكفي أن نصف الحدث بالمأساوي، بل يجب أن نتساءل: ما الذي دفعها إلى هذا القرار؟ هل هو ضغط الدراسة؟ مشاكل أسرية؟ تنمر؟ اكتئاب لم ينتبه له أحد؟ أم أن المجتمع بأسره بات يفتقد إلى ثقافة الاحتواء والإنصات؟
من السهل إلقاء اللوم على طرف دون الآخر: المدرسة، العائلة، مواقع التواصل، الأقران… لكن الحقيقة أن المسؤولية مشتركة، وهي امتداد لأزمة نفسية واجتماعية واقتصادية تتفاقم بصمت.
الأرقام لا تكذب، لكنها تثير الرعب
رغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد محاولات الانتحار بين التلاميذ في المغرب، فإن التقارير الإعلامية ترصد حالات متزايدة، خاصة في صفوف المراهقين. هذا المعطى لا يمكن فصله عن ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الشباب عالميًا، وهو ما زاد حدّته بعد الجائحة التي عمّقت العزلة النفسية، وضاعفت الضغوط الاجتماعية.
مطلوب: مائدة مستديرة لا طاولة فارغة
الحلول الترقيعية لم تعد تجدي. يجب التعامل مع هذه الظاهرة بجدية قصوى من خلال:
عقد مائدة مستديرة تجمع خبراء علم النفس، التربويين، ممثلي الأسر، والتلاميذ أنفسهم، للخروج بخطة عملية لمواجهة هذه الظاهرة.
إدخال مواد التوعية النفسية في المناهج الدراسية لمساعدة التلاميذ على فهم مشاعرهم والتعامل معها بطرق صحية.
تدريب الأساتذة والمربين على كشف الإشارات الأولية للاكتئاب والانتحار، ليتمكنوا من التدخل في الوقت المناسب.
إحداث مراكز استماع نفسية داخل المؤسسات التعليمية، حيث يتمكن التلاميذ من البوح بمخاوفهم دون خوف من الأحكام أو العقوبات.
حملات توعية مكثفة عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، لأن جزءًا من الأزمة هو أن الأطفال والمراهقين يجدون أنفسهم وسط فراغ قيمي يجعلهم يعتقدون أن الحياة لا تستحق العيش.
لنتوقف عن الإنكار
المجتمع الذي يعتبر الحديث عن الصحة النفسية “ترفًا” هو مجتمع يرفض الاعتراف بجذور مشاكله. ومحاولة هذه التلميذة في مراكش ليست سوى تحذير جديد بأن أطفالنا ومراهقينا بحاجة إلى أكثر من مجرد تعاطف لحظي. إنهم بحاجة إلى مجتمع يشعرهم بأنهم مهمون، وأن الحياة تستحق العيش رغم كل العقبات. فهل نحن مستعدون لهذا التحدي؟