مجتمع

عامل إقليم شيشاوة يتحول إلى حارس بوابة الأسرار… وموظفو العمالة إلى مشتبه فيهم!

ضربة قلم

يبدو أن عامل إقليم شيشاوة قد قرر أخيرًا أن يرتدي قبعة الجنرال ويعلن حالة الطوارئ، ولكن ليس لمواجهة كارثة طبيعية أو أزمة صحية أو حتى هجوم فضائي، بل لأن الأخبار تتسرب! نعم، الأخبار، تلك المخلوقات الشريرة التي تتسلل من جدران العمالة لتصل إلى آذان المواطنين الذين -ويا للوقاحة- يريدون أن يعرفوا ما الذي يحدث في إقليمهم. الرجل استنفر رؤساء الأقسام كأنهم في خلية أزمة، ولكن بدل أن يسأل: “ما الجديد في ملف التنمية؟”، انطلق في خطبة نارية من نوع “من سمح لهذه الرياح بأن تهب؟ ومن دلها على الباب؟”.

قد يقول قائل إن هذا الهلع دليل على حرصه الشديد على السرية الإدارية، ولكن المتابعين يعرفون أن الموضوع يتعدى الحرص إلى نوع من البارانويا الإدارية، حيث أصبح العامل يرى في كل موظف صحافيا متنكرا، وفي كل ورقة تقريرا مسربا، وفي كل شجرة كاميرا مراقبة. الطريف في الأمر أن الرجل الذي يخاف من تسريب المعطيات يتداول اسمه في السوق كشريك في حفر الآبار مع مواطن عربي أجنبي، رغم أن الآبار، يا حسرة، لم تعد تُحفر إلا بألف رخصة وتحت ألف مجهر قانوني، في وقت تموت فيه الدواوير عطشا وتفقد فيه الساكنة الأمل حتى في قنينة ماء بلاستيكية مستعملة.

تخيلوا أن الإقليم الذي يعاني من ركود تنموي مزمن وجد نفسه اليوم يعيش فصلا من فصول مسرحية عبثية عنوانها “من أفشى السر؟”، حيث كل الطاقة الإدارية مسخرة لمطاردة الأشباح بدل مطاردة فرص الاستثمار، وكل الخطط موجهة لتضييق الخناق على من يتكلم عوض فتح المجال لمن يعمل. أما عن فصول الكوميديا السوداء، فلا تسل. فهناك شخصية غامضة تُعرف بـ”ساعية البريد”، امرأة لا تحمل رسائل بل بطائق الإنعاش الوطني، توزعها كأنها جوائز يانصيب، وليس على المحتاجين بل على الأشباح المحظوظين. نعم، الأشباح، تلك الكائنات التي لا تُرى إلا عندما تُصرف لها البطاقة ثم تعود لتختفي بين السجلات.

كل هذا يحدث في الوقت الذي يعج فيه الإقليم بطاقات شابة، شابة وعاطلة، تملك من الكفاءة والحيوية ما يكفي لتحريك جرافة تنمية كاملة، ولكنها تُركت على الهامش، لأن الأولوية في عهد هذا العامل تُمنح للأشباح والصفقات الغامضة. أما الشباب، فمكانهم في طوابير البطالة أو على قارعة الانتظار، أو في المقاهي يتداولون أخبارا قد تُصنف خطيرة في قاموس السيد العامل.

المطلوب؟ لجنة، لا لتلطيف الأجواء، بل لتفتيش الخبايا، ولفتح الأدراج، واستنطاق السجلات، وتفكيك شبكة “ساعية البريد”، والكشف عن مآل الآبار، ولمعرفة كم من شبح استفاد، وكم من مواطن عطش، وكم من موظف أصبح يعيش في رعب أن يكون هو “الواشي” الذي هرب الخبر. لجنة تنظر لا بعين “نعام أس” بل بعين الوطن الذي يستحق مسؤولين يحترمون العقول لا يطاردون الظلال. فالرجل، يبدو أنه أصبح مرشحا بقوة المنطق… للرحيل، قبل أن يحول الإقليم إلى نسخة محلية من روايات جورج أورويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.