عبد الرحيم الذي سقط من الطابق الثاني يغادرنا: وداعًا لرجل بصمت النبلاء

ضربة قلم
في لحظة هادئة من مساء اليوم، جاءنا الخبر الذي خشيناه جميعًا: عبد الرحيم، ذاك الرجل الذي سقط من نافذة الطابق الثاني صباح هذا اليوم، رحل. رحل من دون وداع، بعد أن تم نقله إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء لتلقي العلاجات اللازمة، لكنه لم يصمد طويلًا أمام مضاعفات الإصابة، ولا أمام ثقل الحياة الذي كان يحمله في صمت. رحل عبد الرحيم، وترك خلفه فراغًا لا يُقاس بالأمتار، بل يُقاس بذكريات، ووجوه، وقلوب مكلومة.
رجل من ضوء خافت
عبد الرحيم لم يكن نجمًا في السماء، لكنه كان ضوءًا خافتًا في زقاق من أزقة حي الحسنية 1. نجّار ماهر، بصمته أكثر بلاغة من الكلمات. رجل لم يكن يشكو، لكنه كان يتألم. كان يشبه ذلك الخشب الذي يعالجه كل يوم: صلب من الخارج، هشّ من الداخل. لم يكن من صناع الضجيج، بل كان رجلًا بسيطًا، يصنع أشياء جميلة ثم يختفي وراء عمله.
كان عبد الرحيم يقاوم في صمت اضطرابات نفسية لا يفهمها الكثيرون، وها هو اليوم، بعد نقله إلى الدار البيضاء وهو في حالة حرجة، يغادر هذا العالم بصمت يشبه تمامًا حياته التي كانت تمر خفيفة، دون أن تثير الانتباه، إلا حين سقط جسده، وحين سقط اسمه من بيننا.
من نافذة الجرح إلى أفق الموت
في صباح الثلاثاء 8 أبريل، حين سقط عبد الرحيم من الطابق الثاني، نُقل عبد الرحيم إلى مستشفى مولاي عبد الله، ومن هناك إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، بحثًا عن رعاية أكثر تخصصًا. لكن ماذا تفيد التقنيات حين تتأخر العناية؟ وماذا تنفع الأسرة البيضاء إن لم تُسبَق بأسرةٍ مجتمعية من الحنان والاحتواء؟ لقد تأخرنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، في فهم رسائل هذا الرجل قبل أن يسقط.
لحظة صدق مع النفس
رحيل عبد الرحيم يفرض علينا وقفة حقيقية. لا يتعلق الأمر بشخص فقط، بل بكل من يشبهه: أولئك الذين يمشون بيننا بثقل الأعباء النفسية والاجتماعية، من دون أن يجدوا من يسمعهم أو يسندهم. أولئك الذين لا يطلبون شيئًا، لكنهم يحتاجون كل شيء: الكلمة الطيبة، اليد الممتدة، الطبيب المختص، والجمعية التي لا تكتفي بالشعارات.
لقد كانت حياة عبد الرحيم عنوانًا للغياب المؤلم للسياسات العمومية في مجال الصحة النفسية، ولتقصير المجتمع في توفير الدعم للأشخاص الهشّين نفسيًا واجتماعيًا. واليوم، لا يكفي أن نحزن عليه، بل علينا أن نحول حزنه إلى درس، إلى نقطة انطلاق نحو مسؤولية أكبر.
عزاء من القلب
بقلوب دامية، نتقدم بأحر التعازي إلى عائلة الفقيد عبد الرحيم، إلى كل من عرفه، إلى جيرانه وزبنائه وأصدقائه، إلى من صافحه يومًا أو استلم منه قطعة خشب منقوشة بحب. فعبد الرحيم لم يكن مجرد نجار، بل كان فنانًا خجولًا، يُبدع في الهامش، ويعيش خارج الضوء، ثم يرحل من دون أن يُحدث جلبة… لكنه يتركنا أمام مرآة صدئة، مرآة لا نحب أن ننظر فيها كثيرًا لأنها تكشف هشاشتنا كأفراد، وكجماعة.
كلمة أخيرة
عبد الرحيم لم يسقط فقط من الطابق الثاني، بل سقط من شبكة الأمان الاجتماعي، من عيوننا التي لا ترى، ومن قلوبنا التي لا تسمع. سقط بصمت، ورحل بهدوء، وتركنا نتساءل: كم عبد الرحيم بيننا اليوم؟ وكم سيسقط غدًا؟
رحمك الله، يا عبد الرحيم، كنت إنسانًا بسيطًا بحجم الحياة كلها. لن ننساك.