مجتمع

عبد العزيز بلعنزول: قاضٍ عاش شريفًا ورحل شريفًا

م-ص

في زمنٍ كثرت فيه التنازلات وتهاوت فيه بعض القيم، بزغ نجم القاضي عبد العزيز بلعنزول كنموذجٍ نادرٍ للنزاهة والعدالة. لم يكن مجرد رجل قانون عابرٍ في دهاليز المحاكم، بل كان رمزًا للوقار والنزاهة، رجلًا نذر حياته للعدل بعيدًا عن أي شبهة، رافضًا أن يدخل إلى جيبه درهمًا واحدًا لا يستحقه. عاش شريفًا، ومات شريفًا، وبقيت سيرته تتردد على ألسنة كل من عرفه، باستثناء من اختاروا طريق الفساد، فكان وجوده شوكةً في حلقهم.

وُلد عبد العزيز بلعنزول في أسرةٍ عرفت بقيمها الأخلاقية الرفيعة، ونشأ على المبادئ السامية التي جعلت منه شخصية مختلفة عن أقرانه. منذ شبابه، أظهر ميلًا واضحًا للعلم والبحث عن الحق، فكان طريقه نحو دراسة القانون طبيعيًا، حيث وجد في هذه المهنة رسالة سامية لا مجرد وظيفة تؤمن له لقمة العيش.

حين دخل سلك القضاء، حمل على عاتقه مسؤولية كبيرة: أن يكون صوتًا للحق في زمنٍ أصبحت فيه الحقيقة غائبة أحيانًا خلف ستار المصالح. كان لا يخشى في الله لومة لائم، ولم يكن يتأثر بأي ضغوط، سواءً من أصحاب النفوذ أو من أوساطٍ تحاول التأثير على الأحكام بوسائل غير مشروعة.

قاضٍ لا يشبه أحدًا

لم يكن عبد العزيز بلعنزول قاضيًا عاديًا، بل كان استثناءً في مشهده المهني. لم يكن يتهاون مع الفساد، ولم يكن يقبل بأي شكلٍ من أشكال الالتفاف على القانون. كان معروفًا بصرامته في تطبيق العدالة، لكنه في الوقت ذاته، كان يمتلك قلبًا رحيمًا ينظر إلى القضايا بعين الحكمة والإنصاف. لم يكن مجرد آلة تصدر الأحكام، بل كان قاضيًا إنسانيًا يدرك أن خلف كل قضية بشرًا قد يكونون ضحايا أو مذنبين يستحقون فرصة للإصلاح.

كان يقف بوجه كل من يحاول استغلال سلطته أو موقعه لتحقيق مكاسب غير مشروعة، ولم يكن يُرهب من تهديدات أو إغراءات. كانت سمعته الطيبة تسبقه أينما حل، وأصبح اسمه مرادفًا للنزاهة التي لا تقبل المساومة.

النزاهة حتى آخر رمق

رغم الفرص التي أُتيحت له لجمع ثروات كما فعل غيره ممن اختاروا طرقًا ملتوية، ظل عبد العزيز بلعنزول يحيا حياة بسيطة، قانعًا بالقليل، متمسكًا بمبادئه حتى آخر يومٍ في حياته. لم يملك القصور ولا الحسابات البنكية المنتفخة، لكنه امتلك ما هو أعظم: احترام الناس وحبهم ودعواتهم الصادقة.

كان يحرم على نفسه أي درهمٍ مشبوه، وكان يردد دائمًا أن المال الحرام سمٌ يدخل الجسد ويفسد الروح. لم يكن يزايد على شرفه، ولم يكن يحتاج إلى شهادة أحد، فشهادته الحقيقية كانت في القلوب التي ودعته بحرقةٍ يوم رحيله.

رحيل جسد وبقاء أثر

حين غادر اليوم هذه الدنيا، لم يترك وراءه أموالًا أو ممتلكات ضخمة، لكنه ترك إرثًا أخلاقيًا وقضائيًا نادرًا. ظلت سيرته مضيئة، تتناقلها الألسن بفخرٍ واحترام، وصار اسمه مرجعًا في النزاهة لمن جاء وسيحل بعده. لم يكن يشبه أحدًا في زمنٍ طغت فيه المصالح، لكنه ظل خالدًا في ذاكرة الناس نموذجًا يُحتذى.

كان عبد العزيز بلعنزول قاضيًا ليس كمثله أحد، رجلًا عاش بشوشًا رغم أنه كان دائمًا في مواجهة الفاسدين، لكنه لم يكن يحمل سوى ابتسامته وسيف عدالته. رحل عن الدنيا، لكن ذكراه ستظل نبراسًا لكل من يسعى إلى العدل في أنقى صوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.