مجتمع

عبد اللطيف وهبي بين حرية التعبير وحرية التصريح العجيب

ضربة قلم

في مشهد سياسي لا يفتقد لعنصر الإثارة، خرج عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، بتصريحات تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم درامي يحمل عنوان “منصات التواصل: بين المطرقة وسندان القانون”. الوزير، وكأنه قرر فجأة ارتداء قبعة الفيلسوف والقاضي والمحاضر في الأخلاقيات، أعلنها مدوية: “لا حصانة لأحد، لا للبرلماني ولا للصحفي، فالجميع تحت سقف القانون… ما عدا السقف نفسه، بالطبع.”

وهبي، في عرضه المسرحي أمام نواب الأمة، رسم خطاً دقيقاً بين حرية التعبير و”الابتزاز الإلكتروني”، ذلك الوحش الرقمي الذي يبدو أنه قرر شخصياً التصدي له بكل شجاعة، حتى لو تطلب الأمر قصفاً لغوياً من العيار الثقيل. لم يتردد في وصف بعض الممارسات الإعلامية بأنها “مصائب”، مشيراً إلى أن “كل شيء ولّى فيه غير الفلوس”. وكأننا اكتشفنا للتو أن الاقتصاد لا يتحرك إلا بالمال، شكراً للوزير على هذه الإضافة القيمة.

الخبر بين القداسة و”الكاش

الوزير عبر عن أسفه لأن “الخبر لم يعد مقدساً”، وكأن الأخبار كانت تُقرأ في المعابد قبل ظهور الإنترنت. الحقيقة أن وهبي يبدو وكأنه نسي أن القداسة تُمنح للقيم وليس للمنشورات. فالخبر الجيد يُبنى على الحقائق والتحقيقات، لا على مشاعر الحنين لأيام كانت فيها الجرائد الورقية تُستخدم لتغليف الساندويتشات.

وعن “ممتهني الربح السريع”، تحدث وكأننا نعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة، حيث لا أحد يسعى للربح. ربما كان الوزير يفضل أن يعمل الصحفيون في سبيل القيم النبيلة فقط، بينما يحصل هو وزملاؤه على رواتبهم دون أي إحساس بالذنب تجاه دافعي الضرائب.

تكميم الأفواه… ولكن ليس كثيراً

“نكمّم أفواه من؟” تساءل وهبي، في لحظة فلسفية جعلت سقراط نفسه ينهض من قبره. الوزير يرفض فكرة تكميم الأفواه، لكنه في نفس الوقت يقترح قوانين تجعل مجرد انتقاد مسؤول حكومي مخاطرة تشبه القفز من طائرة دون مظلة.

ثم هناك تلك الإشارة الرقيقة إلى “استغلال الأطفال في الفيديوهات”، وهي نقطة وجيهة فعلاً، لكننا لا نستطيع إلا أن نتساءل: هل هي محاولة لتشتيت الانتباه عن الموضوع الأساسي، أم مجرد فقرة كوميدية غير مخطط لها في هذا العرض السياسي الطويل؟

الأحكام القضائية: أحجية الدولة

وفي مشهد آخر من هذه المسرحية القانونية، اعترف وهبي بوجود إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة. الدولة، التي تُفترض أنها حامية القانون، تجد صعوبة في تنفيذ الأحكام التي تصدر باسم جلالة الملك. يبدو أن القوانين في المغرب مثل بطاقات الهدايا: جميلة المظهر لكن صالحة فقط في ظروف معينة.

وهنا تظهر عبقرية وهبي الاقتصادية: الأحكام تجاوزت الميزانية المخصصة بـ18 مليار درهم! والحل؟ “زيادة الميزانية”، ببساطة. يبدو أن الوزير نسي أن المال لا ينمو على الأشجار، أو ربما يعتقد أن شجرة الميزانية في وزارة المالية تحتاج فقط إلى سقي إضافي.

خاتمة: عندما يتحدث القانون بلسان السياسة

في النهاية، تصريحات وهبي ليست سوى فصل آخر في رواية مغربية طويلة عن الصراع بين السلطة والكلمة. الوزير حاول أن يبدو كمن يُنظّر لحرية التعبير، لكنه انتهى به الأمر وكأنه يُدرّس مادة جديدة اسمها “حرية التصريح العجيب”. وبين سطور كلامه، تبرز حقيقة واحدة: الخوف من الكلمة الحرة لا يُخفيه أي قانون، مهما كان محبوكاً.

ومع ذلك، لا يسعنا إلا أن نشكر وهبي، لأنه بفضل تصريحاته، صارت لدينا مادة غنية للحديث عن حرية التعبير… أو على الأقل حرية السخرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.